وعند ذلك : فيجب أن لا تخلو عن إدراكه ، أو (١) عن ضده (١) والكلام في ذلك الثانى ؛ كالكلام في الأول ، وهو تسلسل ممتنع.
سلمنا أن المدرك في الشاهد ، مدرك بإدراك ؛ ولكن لا نسلم لزوم ذلك في حق الله ـ تعالى ـ وبيانه بخمسة (٢) أوجه :
الأول : أنه لا يخلو : إما أن يكون قديما ، أو حادثا.
لا جائز أن يقال بكونه حادثا : وإلا كان الرب ـ تعالى ـ محلا للحوادث ؛ وهو محال.
ولا جائز أن يكون قديما : وإلا للزم أن يكون له مسموعات ، ومبصرات في القدم ؛ إذ السمع ، والبصر من غير مسموع ؛ ولا مبصر محال ؛ وذلك يجر إلى القول (٣) بقدم (٣) العالم ، أو أن يكون المعدوم مدركا ؛ وهو محال.
الثانى : هو أن الإدراك في الشاهد : إما أن يكون مشروطا بالبنية المخصوصة ، أو لا يكون مشروطا بها.
لا جائز أن لا يكون مشروطا : وإلا للزم الالتباس بين الإدراكات ، وأن تكون حاسة واحدة مدركة بإدراكات مختلفة ؛ وهو ممتنع.
وإن كان مشروطا بالبنية المخصوصة : كما ذكرناه فيما تقدم في تحقيق كل واحدة من الحواس ؛ فهو في حق الله ـ تعالى ـ محال.
الثالث : أنه لا مانع من تفسير الإدراك بانطباع صور المحسوسات في حاسة المدرك كما هو مذهب ابن سينا (٤) ، أو أن يكون الانطباع شرطا فيه كما هو مذهب الطبيعيين ، ويدل على ذلك ما سيأتى عن قرب ؛ وذلك في حق الله ـ تعالى ـ محال.
الرابع : أنه لا مانع من أن يكون الإدراك مشروطا بخروج شعاع من العين متصل بالمدرك كما هو مذهب الرياضيين ، ولهذا فإنا لا ندرك الهبا في غير شعاع الشمس النازل
__________________
(١) فى ب (أو ضده).
(٢) فى ب (من خمسة).
(٣) فى ب (قدم).
(٤) انظر النجاة ص ١٦٠ ـ ١٦٢.