وإن قيل : المدرك هو الحى الّذي انتفت عنه الآفة المانعة له من كونه مدركا ؛ فهو اعتراف بأن المدركية ثبوتية ، وأن لها ضدا مانعا ، وهو خلاف مذهب ابن الجبائى القائل بهذا المذهب.
الوجه الثالث : أنه يلزم من كون المدرك هو الحى الّذي لا آفة به.
أن يكون الحى عند انتفاء الآفات ، مدركا للطيف ، والبعيد المفرط ، والقريب المفرط ، ولما هو محجوب بالحجب الكثيفة ؛ ضرورة تحقق مفهوم المدرك ، وتساوى نسبته إلى كل شيء.
فإن قيل : بأن انتفاء هذه الأمور شرط للمدركية.
فنقول : إذا كان حد المدرك : هو الحى الّذي لا آفة به. فمن كان حيا ، ولا آفة به ؛ فقد وجد فيه حد المدرك ؛ ويلزم من وجود الحد ؛ وجود المحدود ، فلو كانت هذه الأمور شروطا لكونه مدركا ؛ فيلزم من تقدير انتفائها ، انتفاء المدركية مع وجود حدها ؛ وهو ممتنع.
كيف وأنه لو قيل لابن الجبائى : ما المانع من (١) أن يكون المدرك : هو الحى الّذي انتفت عنه هذه الأمور ، وانتفاء الآفات شرط؟ لم يجد إلى الفرق سبيلا.
الوجه (٢) الرابع : هو (٢) أن العين مدركة للمبصرات ، والأذن مدركة للمسموعات ، ويلزم من ذلك : كون كل واحد من العضوين حيا ، لا آفة به ؛ ضرورة أنه يلزم من وجود المحدود وجود الحد ؛ ويلزم من ذلك : أن يكون كل واحد من العضوين مدركا لما يدركه الآخر ؛ ضرورة تساوى نسبة الحياة ، ونفى الآفات إلى جميع المدركات.
وإن قيل : باشتراط البنية المخصوصة في كل عضو ، بالنسبة إلى ما يدركه ، وبنية كل واحد من العضوين فانية في العضو الآخر ؛ فهو فاسد ؛ على ما سيأتى عن قرب. ثم جوابه ما سبق في الوجه الثالث.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) فى ب (الرابع).