قولهم : لو كان الإدراك (معنى (١)) ؛ لصح إدراكه بإدراك آخر ، ولما تصور الخلو منه (٢) ، أو (٢) من ضده ؛ وهو تسلسل ممتنع ؛ على ما قرروه.
فنقول : التسلسل وإن كان ممتنعا ، فلا يدل على امتناع الإدراك ؛ لجواز أن يكون ذلك لازما من القول بجواز إدراك الإدراك ، أو من القول بأن الإدراك له ضد ، أو من القول بأن الذات القابلة للضدين لا تخلو عنهما.
قولهم : سلمنا لزوم ذلك في الشاهد ؛ ولكن لا نسلم لزوم ذلك في الغائب.
قلنا : إذا ثبت أن حد المدرك (٣) من قام به الإدراك ؛ فالحد لا يختلف شاهدا ، ولا غائبا.
قولهم : لا يخلو : إما أن يكون قديما ، أو حادثا؟
قلنا : بل قديم.
قولهم : يفضى إلى قدم المسموعات ، والمبصرات ؛ ليس (٤) كذلك ، فإن تعلق الإدراك بالمدركات ، على نحو تعلق العلم بالمعلومات ، وما لزم من قدم العلم (٥) قدم المعلوم ؛ فكذلك في الإدراك.
قولهم : إن البنية المخصوصة شرط في الإدراك ؛ ليس كذلك ؛ فإن القائل به معترف (بأن (٦)) الإدراك قائم بجزء واحد من جملة المدرك ، ولا أثر لاتصال محله بما جاوره ؛ إذ الجواهر لا يؤثر بعضها فيما يرجع إلى ما يقوم بها من الأعراض كما يأتى (٧) ؛ بل الجوهر يكون على صفته عند المجاورة لغيره في حالة انفراده ، فإذا جاز قيام الإدراك بجزء واحد في حال انفراده واتصاله ؛ لزم أن لا تكون البنية المخصوصة شرطا ، ولا يلزم على هذا الاجتماع ؛ حيث أنه يقوم بالجوهر عند إضافته ، وضمه إلى غيره ، ولا يقوم به / عند انفراده ؛ لأنا نقول : الكون القائم بكل جزء في حالة الاجتماع ، هو بعينه قائم في
__________________
(١) فى أ (معين).
(٢) فى ب (عنه أى).
(٣) فى ب (الإدراك).
(٤) فى ب (وليس).
(٥) فى ب (العالم).
(٦) فى أ (ان).
(٧) انظر الجزء الثانى ـ الأصل الأول ـ النوع الأول ل ٤ / أ.