وقد اعتمد مثبتوا البقاء على مسالك (١).
المسلك (١) الأول :
وهو مما تمسك (٢) به الشيخ أبو الحسن الأشعرى ، رضى الله عنه ـ وهو أن قال : الجوهر في أول زمان حدوثه غير موصوف بكونه باقيا. وقد اتصف بذلك في الزمن الثانى ؛ فقد تجدد له وصف لم يكن ؛ وذلك يوجب أن يكون لزيادة معنى ، وهو البقاء. كالذى وصف بالمتحركية بعد أن لم يكن متحركا ؛ فإن ذلك يتضمن إثبات حركة قائمة به زائدة على كونه متحركا ؛ فلو جاز أن يكون باقيا بلا بقاء ؛ لجاز أن يكون متحركا بلا حركة ؛ وهو محال.
وهذا المسلك ضعيف ؛ إذ لقائل أن يقول :
القول بكون تجدد هذا اللقب : وهو البقاء معنى ثبوتيا فرع كون المفهوم من كونه باقيا أمرا ثبوتيا ؛ وليس كذلك ويدل عليه وجوه أربعة :
الأول : أنه أمكن أن يقال : معنى كونه باقيا في الزمن الثانى ، أن الموجود في الزمن الأول / لم يبطل في الزمن الثانى ؛ وهو سلب محض.
الثانى : أنه أمكن أن يقال : معنى كونه باقيا في الزمن الثانى. أن ما حصل في الزمن الأول هو بعينه حاصل في الزمن الثانى ، والحصول في الزمان ليس أمرا ثبوتيا ، وإلا كان ذلك الحصول الثابت حاصلا أيضا في ذلك الزمان ؛ والكلام أيضا في حصول ذلك الحصول ، كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.
وإن قيل : إن الحصول مع كونه ثبوتيا حاصل في الزمان الثانى بنفسه لا بحصول زائد عليه ؛ فليقل مثله في حصول الجوهر فيه.
الثالث : أنه ينتقض بوجود الجوهر في أول زمان حدوثه ؛ فإنه يوصف بكونه حادثا فيه ، ولا يوصف بذلك في الزمن الثانى. مع بقاء ذاته. فكونه حادثا ؛ زائد على ذاته ، وليس كونه حادثا ، أمرا ثبوتيا ، وإلا كان حادثا ؛ ولزم التسلسل. وإذا لم يكن كون الجوهر حادثا ، أمرا ثبوتيا ، مع كونه زائدا على ذاته ؛ فكذلك كونه باقيا.
__________________
(١) فى ب (مسلكين).
(٢) فى ب (يتمسك).