الثالث : هو أنه لو كان الباقى معللا بالبقاء ؛ لكان العلم القديم معللا بالبقاء لكونه باقيا.
والبقاء : إما أن يكون صفة ، أو لا يكون.
لا جائز أن لا يكون صفة له : وإلا لجاز أن يقال : إن العالم يعلم بعلم لا يقوم به ، والمتحرك يتحرك بحركة لا تقوم به ؛ وهو ممتنع ، وخلاف قاعدة الشيخ أبى الحسن.
وإن كان البقاء صفة للعلم (١) ؛ أفضى ذلك إلى قيام المعنى بالمعنى ؛ وهو أيضا محال.
فإن قيل : لا نسلم اتصاف العلم بكونه باقيا ، وإن كان مستمرا ، وهذا المنع لعبد الله بن سعيد.
وإن سلمنا ذلك ؛ ولكنه غير لازم ، وبيانه من ثلاثة أوجه :
الأول : هو أن يقال : العلم قائم بذات الله ـ تعالى ـ ، وذات الله تعالى ـ ليست مغايرة لعلمه ، فقد قام به بقاء العلم لا بغيره ؛ فهو كما لو قام به.
الثانى : هو أن ذات البارى ـ تعالى ـ باقية ببقاء زائد عليها ، وصفاته باقيه ببقاء هو أنفسها (٢) ، ولا يلزم على هذا أن يقال : فجوزوا أن يكون الجوهر باقيا ببقاء هو نفسه ، أو أن تكون ذات البارى (٣) ـ تعالى ـ باقية ببقاء هو نفسها.
أما الأول : فلأنه كان يلزم أن يكون الجوهر في الحالة الأولى باقيا ؛ لوجود نفسه فيها.
وأما الثانى : فلأنه يلزم أن تكون الذات معنى ، واستحال أن تكون قائمة بنفسها ، بخلاف الصفة.
الثالث : هو أن ما ذكرتموه إنما يلزم أن لو قيل بأن البقاء علة لكون الباقى باقيا. وليس كذلك ؛ بل هو شرط لكون الباقى باقيا. ولا يلزم قيام الشرط بالمشروط ، بدليل
__________________
(١) فى ب (له).
(٢) فى ب (نفسها).
(٣) فى ب (الرب).