وأما إثبات اليدين بالمعنى الّذي أراده الشيخ أبو الحسن الأشعرى : فيستدعى دليلا قاطعا ؛ لما سبق في الوجه ، ولا قاطع.
وإن سلمنا الاكتفاء في ذلك بالدليل الظاهر ، إلا أنه غير موجود فيما نحن فيه ؛ لما حققناه في صفة الوجه.
وإن سلمنا وجود الظاهر ، غير أنه يمتنع الحمل على ما قيل ؛ لأنه أضاف الخلق إلى اليدين ؛ فإن كانت اليدان مما يتأتى بهما الخلق ؛ فهى القدرة. وإلا فإضافة الخلق إليهما يكون كذبا.
وأما تفسير اليدين بالنعمة ؛ فباطل لوجهين :
الأول : أنه أضاف الخلق إليهما ، والخلق لا يتعلق بالنعمة.
الثانى : أنهما مذكوران بلفظ التثنية ، ونعم الله ـ تعالى ـ على آدم غير منحصرة في أمرين على ما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١).
فإن قيل : النعمة تنقسم : إلى ظاهرة ، وباطنة ، وإلى عاجلة ، وآجلة ؛ فيحتمل أنه أراد بيدى : أى بنعمتى العاجلة (٢) ، والآجلة (٢) ، أو الظاهرة ، والباطنة ، ويحتمل أنه أراد به سجود الملائكة له ، وتعليمه الأسماء كلها.
قلنا : إلا (٣) أن ما ذكروه قد كان (٣) مجتمعا في حق آدم ؛ فإن حمل على الكل خرج عن التثنية ، وإن حمل على خصوص اثنين منهما ؛ فلا يكون أولى من غيره ؛ فلا يكون التخصيص مفيدا.
ولا سبيل إلى القول بكون اليدين صفة زائدة ؛ لما فيه من تعطيل الدلالة.
وإذا بطلت جميع هذه الأقسام. فالأشبه أنهما بمعنى القدرة ؛ فإن إطلاق اليدين بمعنى القدرة ، سائغ عرفا ولغة / ؛ ولهذا يقال : فلان في يدى فلان. إذا كان متعلق قدرته ، وتحت حكمه ومشيئته ؛ وإن لم يكن في يديه اللتين بمعنى الجارحتين.
__________________
(١) سورة ابراهيم ١٤ / ٣٤.
(٢) فى ب (الآجلة والعاجلة).
(٣) فى ب (الا أن كل ما ذكروه كان).