ومنهم : من صار إلى التأويل. والقائلون بالتأويل فقد اختلفوا :
فمنهم من حمل الاستواء في الآية على الاستيلاء ، والقهر. ومنه قول العرب : استوى الأمير على مملكته ، عند دخول العباد في طاعته. ومنه قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق (١) |
أى استولى.
وقال الآخر :
ولمّا علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وطائر (٢) |
أى استولينا عليهم ؛ وهو من أحسن التأويلات وأقربها (٣).
فإن قيل : حمل الاستواء على الاستيلاء ، يشعر بسبق المغالبة وتقدم المقاومة ؛ وهو ممتنع على الله ـ تعالى ـ.
/ سلمنا عدم إشعاره بذلك ، غير أنه لا فائدة في تخصيص العرش بذلك ، مع تحقيقه بالنسبة إلى كل الحوادث.
قلنا : أما الأول ، فإنه (٤) وإن جاز أن يكون الاستيلاء مسبوقا بالمقاومة ، ولكن لا يلزم أن يكون مسبوقا بها ، ولا لفظ الاستيلاء مشعر به ، وإلا لكان لفظ الغالب مشعر به ؛ وليس كذلك. بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) (٥).
وأما الثانى : فمندفع أيضا ؛ فإنه جاز أن تكون فائدة تخصيص العرش بالذكر للتشريف ، كما سبق. وجاز أن يكون ذلك للتنبيه بالأعلى على الأدنى من حيث أن العرش في اعتقاد الخلائق أعظم المخلوقات ، وأجل الكائنات.
__________________
(١) القائل الأخطل :
وقد قاله في بشر بن مروان ـ انظر ديوان الأخطل الطبعة الثانية ص ٣٩٠ ط. دار المشرق ببيروت.
(٢) ورد هذا البيت في الشامل لإمام الحرمين ص ٥٥٠.
(٣) فى ب (وأقواها).
(٤) فى ب (فلأنه).
(٥) سورة يوسف ١٢ / ٢١.