فمنهم (١) : من عمم وقال : الرب ـ تعالى ـ مدرك (٢) بالإدراكات الخمسة (٢) طردا للدليل المذكور ، غير أنه لا يجوز تعلق الأسباب المقارنة لهذه الإدراكات في الشاهد عادة بالله تعالى : كتقليب الحدقة / نحوه ، والإصغاء بالاذن إلى جهته ، والتحرك إليه لقصد إدراكه ؛ لكنه لا يطلق عليه هذه الأسماء ؛ لعدم ورود الشرع بها ، وهذا هو مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى.
ومنهم من قال (٣) : إن باقى الإدراكات لا تعم كل موجود ؛ بل إدراك السمع يختص بالأصوات ، والبارى ـ تعالى ـ ليس بصوت ، ولا الصوت من صفاته ؛ فلا يتعلق به السمع ، والشم يتعلق بالروائح ، والرب ـ تعالى ـ ليس برائحة ، ولا الرائحة من صفاته ؛ فلا يتعلق به إدراك الشم. والذوق يتعلق بالطعم ، والرب ـ تعالى ـ ليس بطعم ، ولا الطعم من صفاته ؛ فلا يتعلق به الذوق.
واللمس : يتعلق بالكيفيات الملموسة ، والرب ـ تعالى ـ ليس بكيفية ، ولا الكيفية الملموسة من صفاته ؛ فلا يتعلق به إدراك اللمس.
والّذي يدل على صحة هذا : ما يجده كل عاقل في نفسه من التفرقة بين هذه الإدراكات ، ولو اتحدت في الإدراك ؛ لوقع الالتباس بين الإدراكات ؛ وهو محال. وهذا هو مذهب عبد الله بن سعيد ، والقلانسى وكثير من أصحابنا.
وعلى هذا. فحصول مثل هذه الإدراكات لله ـ تعالى ـ واتصافه بها غير ممتنع عقلا. وإن لم يجز إطلاقها عليه ؛ لعدم ورود الشرع بها. وإن حصول الإدراكات المختلفة لمدرك واحد غير ممتنع.
وأما تعلق الإدراكات المختلفة بمدرك واحد من جهة واحدة ؛ فممتنع كما بيناه.
وأما انتفاء الرؤية من وقتنا هذا : فإنما يلزم منه انتفاء جواز تعلق الرؤية بالله ـ تعالى ـ أن لو لم يقدر ثم مانع يمنع من الرؤية ، ولا مستند لهم في حصر الموانع غير البحث ، والسير ؛ وهو غير يقينى كما سبق (٤).
__________________
(١) هو الإمام الأشعرى رضى الله عنه انظر اللمع ص ٦١ ـ ٦٧ ، والإبانة ص ١٨ ، ١٩.
(٢) فى ب (مدركا بجميع الإدراكات الخمس).
(٣) القائل عبد الله بن سعيد الكلابى ، والقلانسى ، وغيرهم.
انظر اللمع للأشعرى ص ٦٢ ـ ٦٣.
ثم انظر ما أورده الشهرستانى في الرد على هذا الاعتراض في نهاية الأقدام ص ٢٦٥ ـ ٣٦٦.
(٤) انظر ل ٣٩ / ب.