بجلال الله ـ تعالى ـ كما قال لهم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) عند قولهم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (١).
الثالث : أنه قد وقع زجرهم ، وردعهم عن سؤالهم (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) بأخذ الصاعقة لهم ، والعذاب الأليم عقيبه على ما قال تعالى ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (٢) وليس في أخذ الصاعقة لهم ما يدل على امتناع ما طلبوه ؛ بل إنما كان ذلك ؛ لأنهم طلبوا ذلك في معرض التشكيك في نبوة موسى ، وقصد (٣) إعجازه عن ذلك ؛ فأنكر الله ـ تعالى ـ ذلك منهم كما أنكر قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٤). وقولهم : (انزل علينا كتابا من السماء) (٥). وإن لم يكن ذلك مستحيلا نظرا إلى ما قصدوه من الإعجاز.
قولهم : المقصود من السؤال إنما هو ضم الدليل السمعى إلى الدليل العقلى للتأكيد ؛ فمندفع من وجهين :
الأول : أنه إذا كان عالما بإحالة الرؤية ؛ فلا يخفى أن العلم غير قابل للزيادة ، والنقصان ؛ فطلب التأكيد فيه ممتنع.
وعلى هذا قال بعض المتأولين : يجب صرف قول إبراهيم الخليل عليهالسلام (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (٦) عن قصد التأكيد ؛ لعلمه بإحياء الله ـ تعالى ـ الموتى لما ذكرناه إلى مخاطبة جبريل بذلك عند نزوله إليه بالوحى ؛ ليعلم أنه من عند الله ـ تعالى ـ وهو بعيد لوجهين :
الأول : أنه خاطب به الرب ـ تعالى ـ بقوله (رَبِّ أَرِنِي) ، وجبريل ليس برب.
الثانى : أن إحياء الموتى غير مقدور لجبريل ؛ فلا يحسن السؤال له بإحياء الموتى ؛ بل الأولى صرفه إلى ما نقل عنه ـ عليهالسلام ـ أنه كان قد أوحى الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ١٣٨.
(٢) سورة النساء ٤ / ١٥٣.
(٣) فى ب (وقصدوا).
(٤) سورة الإسراء ١٧ / ٩٠.
(٥) حكى القرآن عنهم ذلك في قوله تعالى (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ...)
(٦) سورة البقرة ٢ / ٢٦٠.