سلمنا أن إلى هاهنا حرف ؛ ولكن لا نسلم أن إلى بمعنى الحرف إذا اقترنت بالنظر تكون للرؤية ، بل قد يرد ذلك بمعنى تقليب الحدقة إلى جهة المرئى. ومقابلتها له. ومنه يقال:
جبلان متناظران. إذا تقابلا.
وقد يرد بمعنى الانتظار.
وقد يرد بمعنى الرحمة.
وقد يرد بمعنى التفكر ، والاعتبار.
أما الأول : فبيانه من ستة أوجه :
الأول : أنه يصح أن يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره. ولو كان النظر بمعنى الرؤية ؛ لكان متناقضا. ولو كان بمعنى (١) تقليب الحدقة إليه ؛ لكان حقا (١).
الثانى : أنه يصح أن يقال : ما زلت أنظر إلى الهلال حتى رأيته. ولو كان النظر بمعنى الرؤية ؛ لكان النظر غاية لنفسه ، ولا كذلك في تقليب الحدقة.
وأيضا فإنه يصح أن يقال : نظرت فرأيت. فترتب الرؤية على النظر بفاء التعقيب [يدل (٢)] على المغايرة. والّذي ترتب عليه الرؤية ؛ إنما هو تقليب الحدقة.
الثالث : أنه يصح أن يقال : أما ترى كيف ينظر فلان إلى فلان. ولو كان النظر هو الرؤية ؛ لما كان مرئيا بخلاف تقليب الحدقة.
الرابع : قوله ـ تعالى ـ : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٣) والمراد بالنظر هاهنا تقليب أحداقهم نحوه بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ). ولو كان النظر بمعنى الرؤية ؛ لكان (٤) متناقضا.
__________________
(١) فى ب (المعنى توجيه الحدقة إليه كان حقا).
(٢) فى أ (فدل).
(٣) سورة الأعراف ٧ / ١٩٨.
(٤) فى ب (لما كان).