وربما قيل في إبطاله : لو جاز حصول العلم الضّرورى مقدورا من غير نظر ؛ لجاز حصول العلم النّظري من غير نظر واستدلال. ولو جاز ذلك لا يتحتّم علينا الدعاء إلى النّظر والاستدلال المفضى إلى معرفة الله ـ تعالى ـ مع وجوبه ـ ؛ لجواز أن يقول المدعوّ : ذلك حاصل لى من غير نظر ولا استدلال.
وهو إنّما يلزم أن لو لزم من جواز وقوع الضّرورى مقدورا من غير نظر ، جواز ذلك في النّظرى ، ولا بدّ من دليل جامع ؛ ولا دليل عليه.
وأيضا : فإنّ حصول ذلك ـ مع تجويزه ـ خارق للعادة ، والمخبر عن نفسه مما يخرق العادة غير مصدّق فيه.
وأما من منع من جواز ذلك مطلقا. فحجّته ما أشرنا إليه (١) في الاعتراض (١).
وربما احتجّ : بأنه لو جاز وقوع العلم الضرورى نظريّا ؛ لجاز وقوع الآلام والأوجاع ، وغير ذلك مما وقوعه غير مكتسب مكتسبا.
وهو تمثيل من غير دليل جامع ؛ فلا يكون صحيحا كما تقدّم.
ومن قال بالتفصيل (٢) بين العلوم الضروريّة التى بها كمال العقل وغيرها فمستنده : أما فيما قضى فيه بالجواز ؛ فمستند (٣) القائلين بتعميم الجواز ، وقد عرف ما فيه (٤) وفيما قضى فيه بنفي الجواز ؛ فما أسلفناه من الدّور في الاعتراض على القائلين بالجواز مطلقا (٥).
وأما أنّ العلوم النظريّة هل يجوز أن تقع ضروريّة غير مقدورة للعبد؟ (٦) فهذا ممّا اتّفق عليه أهل الحقّ من أصحابنا.
__________________
(١) في ب (من الأعراض). انظر الإشكالات الواردة على من قال بالجواز فهى حجة النفاة.
(٢) من القائلين بالتفصيل القاضى أبو بكر وإمام الحرمين الجوينى.
(٣) في ب (فمستنده).
(٤) انظر ل ٦ / أ.
(٥) انظر الإشكال الثالث ل ٦ / أ.
(٦) انظر المواقف للإيجي ص ١٤٧.