أظهروا الإقرار والإيمان كما أظهر أصحابه صلىاللهعليهوآلهوسلم فأمره تعالى بالصبر على ما عاين مما غمه وأحزنه من الفريقين ، ولا يمكن تغييره إلا بأن يأتيه اليقين ، وهو الحق الذي وعده من نصره ، فإن التدبير في حفظ البيضة واجتماع الكلمة من العسف والحرب. قال عليهالسلام : وليكن إنكار المنكر على حسب إمكانه بالكلام إذا غلب في ظنه أنه ينفع ، وبالسوط إذا كان القول لا يمنع ، ثم السيف إذا أمكنه ولم يكن من أنكر عليه مرتدعا فإنه كالطبيب كما يتيسر من الدواء ولا يهجم على الكي والقطع إلا إذا أعياه الداء ، فإن أجزأ الدواء وإلا الكي ، وآخر المعروف بالسيف حتى يتجلى له الأمر ، فيمضي الحدود كما أمر الله تعالى ، ولا تأخذه رأفة بأحد ، ولا رقة عليه فإن ذلك فساد في الدين ، وزوال طاعته عن إمرة المؤمنين.
وروى عنه محمد بن زيد الحسني (١) عليهالسلام أنه قال : اشتدوا ـ رحمكم الله ـ على الفاسقين ، وأغلظوا فإنكم إنما تؤتون من الضعف والونية ، فلا تشتغلوا بقول من يقول : ارحموا أهل البلاد ومن لا يرحم لا يرحم ، فإن الله سبحانه يقول : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) [النور : ٢] ، وقال سبحانه في بني إسرائيل لما كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه ولا يمنعه ذلك من مجالسته ومؤاكلته : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) [المائدة : ٧٨].
فهذا فصل ذكرناه وإن كان بعض ما فيه لا يتعلق بغرضنا فهو لا يتعرى من
__________________
(١) محمد بن زيد الحسني : لعله محمد بن زيد بن إسماعيل بن الحسن العلوي الحسني صاحب طبرستان والديلم ، ولي الإمرة بعد وفاة أخيه الحسن بن زيد (سنة ٢٧٠ ه) ، وكانت في أيامه حروب وفتن ، وطالت إمرته ، وكان شجاعا فاضلا في أخلاقه ، عارفا بالأدب والشعر والتاريخ ، أصابته جراحات في واقعة له مع (محمد بن هارون) من أشياع إسماعيل الساماني على باب جرجان فمات من تأثيرها.