فإذا تقررت هذه الجملة وقع الكلام في الجهة التي يحكم فيها بالردة على أي صورة تكون وبالله التوفيق.
[فنقول وبالله التوفيق] (١) : كل جهة كان أحد هذه الوجوه الثلاثة الأغلب عليها فإنها تكون أرض ردة بلا إشكال ، وإنما بقي فيها يقول بغير تلك المقالة إلا أن الغلبة لمن يقول بها وهو الأظهر ؛ فإنا نعلم أن مكة حرسها الله تعالى وطهّرها قبل الهجرة كانت كلمة الكفر فيها الأظهر والأقوى ، وكانت كلمة الإسلام فيها ظاهرة أيضا ، إلا أن القوة والشوكة لكفار قريش لكثرتهم ، فكانت الدار دار حرب بلا خلاف ، وإن كان من بني هاشم وأهل البيوت العالية من قريش من يظهر دين الإسلام بلا ذمة ولا جوار ، ولا محاشاة من أحد ، ولكن الغالب الكفر ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما احتاج إلى جيرة أحد من قريش في تبليغ الرسالة ، وتسفيه أحلامهم ، وسب أصنامهم وآبائهم حتى مات عمه أبو طالب فاحتاج إلى التقوي بجوار (مطعم بن عدي) (٢) والكل منا يعلم أنه لا يقدر على تسفيه أحلام المجبرة ،
__________________
(١) سقط من (ب).
(٢) مطعم بن عدي : قال في (الأعلام) ج ٧ ص ٢٥٢ : المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، من قريش رئيس بني نوفل في الجاهلية ، وقائدهم في حرب (الفجار) بكسر الفاء وتخفيف الجيم (سنة ٣٢ ق. ه ، ٥٩١ م) وهو الذي أجار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما انصرف عن أهل الطائف وعاد متوجّها إلى مكة ، ونزل بقرب (حداء) فبعث إلى بعض حلفاء قريش ليجيروه في دخول مكة ، فامتنعوا ، فبعث إلى (المطعم بن عدي) بذلك ، فتسلح المطعم وأهل بيته وخرج بهم حتى أتوا المسجد ، فأرسل من يدعو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للدخول ، فدخل مكة وطاف بالبيت وصلى عنده ، ثم انصرف إلى منزله آمنا. وهو الذي أجار سعد بن عبادة وقد دخل مكة معتمرا ، وتعلقت به قريش ، فأجاره مطعم ، وأطلقه. وكان أحد الذين مزقوا الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم. وعمي في كبره ، ومات قبل وقعة بدر ، وله بضع وتسعون سنة. وفيه يقول حسان من قصيدة :
فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا |
|
من الناس أبقى مجده اليوم مطعما |
وفيه الحديث ، في البخاري : «لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى ـ يعني أسارى بدر ـ لتركتهم له».
المصادر عن : نسب قريش ص ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٤٣١ ، والسيرة لابن هشام ، طبعة الحلبي ٢ : ١٥ ، ١٩ ، ٢٠ وإمتاع الأسماع ١ : ٢٦ ، ٢٨ وانظر فتح الباري ، طبعة بولاق ٧ : ٢٤٩.