بباب السلم ـ والسلم هو الإسلام ـ فمن لم يتمسك بهم كفر حكما وإلا بطل التمسك وهو نبوي لا يجوز ذلك فيه ، ومثلهم بسفينة نوح وما تخلف عنها إلا الكافرون بالإجماع والنص ، وكذلك المتأخر عنهم من هذه الأمة يكون كافرا وإلا بطل التمثيل ولا يجوز بطلانه ؛ لأنه في الحكم كأنه من الله تعالى ، قال تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم : ٣ ، ٤] ، وإنما يستعظم ـ رحمك الله تعالى ـ التكفير من يجهل أحكام الحرمات ، ويستصغر جرايم المجرمين والمجرمات ؛ وإلا فأي كفر أعظم من قتل ذرية الأنبياء ، وسلالة الأوصياء سلام الله عليهم الذين يأمرون الناس بالقسط ، ويقضون بالحق وبه يعدلون ، وكم قد ظهر من الآيات الدالة على الكفر إذا كان في الحديث أن لقاتل محمد بن عبد الله النفس الزكية عليهالسلام ثلث عذاب أهل جهنم ما ترى يكون حكمه ، وإذا كان قاتل يحيى بن زيد عليهالسلام رأى في المنام كأنه قتل نبيا فخرج إلى أصحابه في المسجد وأخبرهم بمنامه ، وأمرهم بغل يده إلى عنقه ، فلما قام يحيى بن زيد عليهالسلام قالوا له : لا غنى عن رميك ، وقد خرج هذا الخارجي فاخرج معنا لحربه ، فإذا فرغنا من حربه رددنا يدك إلى حالها الأولى. فخرج معهم فكان هو الرامي ليحيى بن زيد عليهالسلام فصرعه ، وأجهز عليه سورة بن محمد الكندي فلما رجعوا من حربهم ردوا يده على حالها على غير شيء وقد تبت يداه ، وخسر آخرته ودنياه (١) ؛ لأن المعلوم لأهل العقول أن من آذى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بكلمة متعمدا كفر بلا خلاف ، ومن المعلوم أن قتل ذريته ، أعظم من أذيته هذا مع السب لهم والتبري منهم والمباينة والمحاربة.
__________________
ـ الأميني للحديث مصادر تحت عنوان «الرأي العام في ابن حزم» من كتاب (الغدير) ج ١ / ص ٣٣٦ طبعة بيروت ، كما أورده الحافظ محمد بن سليمان الكوفي في (مناقب أمير المؤمنين) برقم (٦٤٨) ج ٢ / ص ١٦٩ ، بلفظ : «أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم» ومصادر الحديث جمة وكثيرة.
(١) انظر : كتاب (الحدائق الوردية في تأريخ أئمة الزيدية) ، ترجمة الإمام يحيى بن زيد. وانظر (اللآلئ المضيئة) للشرفي (خ) ، وغيرها.