الفاعل ، والموجب واحد عند الخصم ، فكيف يعقل ما ذكر ، فأما استقراره في النار وما شاكلها فلا شك أن فيها الاعتماد من فعل الباري واليبوسة مضاد الرطوبة ، والحرارة تضاد البرودة ، فما طرأ على ضده أبطله ، ولو أضاف ذلك إلى النار فما هي النار في نفسها ، فإنما هي جسم يختص بحرارة ويبوسة واعتماد علوي من فعل الله تعالى ؛ فالحاصل لا يكون موجبا ولا معللا لأنّا نعتمد في الريح اعتمادا سفليا بآلة ، ولا يكون الريح معلولا ، ولو أردنا علويا أيضا لأمكن ؛ وإنما النار تجاوز وكذلك [الماء] (١) والفاعل الله تعالى ، ولهذا فإن النار لا تحرق كل شيء ، والماء لا يبل كل شيء ، وهي بحال محتملة لو كان موجبا لاطرد كما في نظائره ، والحال سالمة والمانع مرتفع لو لا اختيار الحكم سبحانه لبردت النار وسخنت ، وأحرق الماء وسخن ، وفرق وجمع ، وفصل [ووصل] (٢) ، إذ الجسم هو العلة فيلزم وقوع المعلول ، وإلا أدى إلى أن يكون فرقا بين وجود العلة وعدمها وذلك باطل ، فما أدى إليه يكون باطلا ، وإنما هي أقوات مقدرة لنفع العباد وضرهم فرغّبهم بالنفع ، ورهبهم بالضر ، حكمة منه تعالى ولطفا ، والعلل التي يتوهمها المطرفي وأخوه الطبعي واحدة في المسار ، والمعلول يختلف فيطلع الفرع ويهبط العرق وتفترق الأغصان وتدلى الثمار ، والمعلول لا يختلف لأنه موجب ولا مانع يعقل لأنها الجهات والأوقات معها على سواء ، ولأنها تقع على قدر المصالح لا على قدر الأجسام ، وليس كذلك الموجب لأن الموجبات تكثر بكثرة العلل عند من بينها أو يقوم له الدليل عليها ، ولو كانت الحوادث معلولة عن الأجسام لكانت لا تنتهي إلى غاية لوجود العلة ، فإن أوجبت وإلا خرجت عن بابها ، فكان النامي ينمي أبدا والتبع يقع في الحال الأولى ، ولذلك اللوز لا يكون الأخضر أولى بالابتداء دون الأصفر والأحمر والأبيض ؛ لأنا
__________________
(١) في (أ) : المدّ ، وهو خطأ.
(٢) في (أ) و (ب) : وفصل ، ولعل الصحيح ما أثبتناه.