ذكر ما يتعلق بهذه السورة الشريفة دون غيرها من الرد عليهم ، والتحقيق بالصدق لما ذكرنا ، قال سبحانه مخاطبا لبني إسرائيل في نبيه عليهالسلام في حال تيههم وظلمهم : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة : ٥٧] ، فلم يمنعه تعالى ظلمهم لأنفسهم من إتمام النعمة عليهم ، وإصباغ أرزاقهم لبلوغ الحجة فيهم ، وفي مثله قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [البقرة : ١٢٦] ، وهم ربما قالوا رزق المطيع سبحانه ولم يرزق العاصي وهذا عند عامتهم.
وأما عند أهل التحقيق فرزق العاصي والمطيع حصل بغير قصد من الله سبحانه ، بل بالفطرة والإحالة والحركة ، فقد رأيت اختياره سبحانه بأنه يمتع الكافر قليلا ؛ لأن متاع الدنيا قليل ثم يضطره الموت وغيره من أسباب الهلاك إلى عذاب النار ؛ لأنه برزقه له وجب عليه حمده وشكره ، وبكفره لا لأنه استحق النار ، قال تعالى في الامتحان والبلوى في هذه السورة : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة : ١٥٥] الجوع : من أنواع الجدب ، والخوف على وجهين : خوف من الله تعالى ، وخوف من أعدائه وهما جميعا في الحكم من جهته ؛ لأنه لو لا تعبدنا بعداوة أعدائه لم نخفهم ، ولو لا تعبدنا بطاعته لم نخف مخالفة أمره ، ونقص من الأموال والأنفس ، أنواع المال معروفة ونقصها ظاهر بالموت من حيوانها ، وبتلف من جمادها ، ونقص الأنفس : الموت والأمراض على أنواعها ، والثمرات نقصانها بما يحدث من الآفات فيها ، وكل هذا بغير حاجة منه سبحانه إليه ، وإنما أراد بلوانا بالصبر لنفع يعود علينا ، كما ابتلانا