والحامض ، والمرّ والمالح والعفص (١) ، والزاعق (٢) والتفه (٣) ، والعذب والحريف (٤) ، وكالفرق بين الصوت الحادّ والغليظ ، والرقيق والمطرب والمفزع.
قال «أبو محمد» : فهذه إدراكات الحواس لمحسوساتها.
والإدراك السادس : علمها بالبديهيات (٥) ، فمن ذلك علمها بأن الجزء أقلّ من الكل ، فإنّ الصبيّ الصغير في أوّل تمييزه إذا أعطيته تمرتين بكى ، وإذا زدته ثالثة سرّ ، وهذا علم منه بأن الكل أكثر من الجزء ، وإن كان لا يتنبه لتحديد ما يعرف من ذلك ، ومن ذلك علمه بأن لا يجتمع المتضادّان ، فإنك إذا وقّفته قسرا بكى ونازع إلى القعود ، علما منه بأنه لا يكون قائما قاعدا معا. ومن ذلك : علمه بأنه لا يكون جسم واحد في مكانين ، فإنه إذا أراد الذهاب إلى مكان ما فأمسكته قسرا بكى ، وقال كلاما معناه : دعني أذهب ، علما منه بأنه لا يكون في المكان الذي يريد أن يذهب إليه ما دام في مكان واحد. ومن ذلك : علمه بأنه لا يكون الجسمان في مكان واحد ، فإنك تراه ينازع على المكان الذي يريد أن يقعد فيه ، علما منه بأنه لا يسعه ذلك المكان مع ما فيه ، فيدفع من في ذلك المكان الذي يريد أن يقعد فيه إذ يعلم أنه ما دام في المكان ما يشغله فإنه لا يسعه وهو فيه. وإذا قلت له ناولني ما في هذا الحائط وكان لا يدركه قال : لست أدركه وهذا علم منه بأن الطويل زائد على مقدار ما هو أقصر منه ، وتراه يمشي إلى الشيء الذي يريد ليصل إليه ، وهذا علم منه بأن ذا النهاية يحصر ويقطع بالعدو ، وإن لم يحسن العبارة بتحديد ما يدري من ذلك. ومنها : علمه بأنه لا يعلم الغيب أحد ، وذلك أنك إذا سألته عن شيء لا يعرفه أنكر ذلك وقال : لا أدري. ومنها : فرقه بين الحق والباطل (٦) فإنه إذا أخبر بخبر تجده في بعض الأوقات لا يصدّقه حتى إذا تظاهر (٧) عنده بمخبر آخر وآخر صدّقه وسكن إلى ذلك. ومنها : علمه بأنه لا يكون
__________________
(١) العفص : الذي فيه مرارة وتقبّض (المعجم الوسيط : ص ٦١١).
(٢) زعق الماء والطعام : كان مرّا غليظا لا يطاق شربه (المعجم الوسيط : ص ٣٩٤).
(٣) التفه : الطعام الذي لا طعم له (المعجم الوسيط : ص ٨٦).
(٤) الحرّيف : الذي فيه حرافة. والحرافة : حدة في الطعم تحرق اللسان والفم (المعجم الوسيط : ص ١٦٧).
(٥) البدهيات ، أو البديهيات : هي المعلومات التي لا تحتاج إلى برهنة ، فهي تعلم بالبديهة دون حاجة إلى سابق علم لأنها مسلّمة.
(٦) جعله الفرق بين الحق والباطل من البديهيات فيه نظر.
(٧) أي اعتضد بخبر آخر.