وقال تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : ١٠٤].
وقال تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [سورة هود : ١٠٨].
فكل كلامه تعالى حق لا يحلّ الاقتصار على بعضه دون بعض ، فصحّ يقينا أنّ تبديل السّماوات والأرض إنما هو تبديل أحوالها لا إعدامها ، ولكن خلاؤها من الشّمس والقمر والكواكب والنجوم ، وتفتحها أبوابا ، وكونها كالمهل ، وتشققها ووهيها ، وانفطارها ، وتدكدك الأرض والجبال ، وكونها كالعهن المنفوش ، وتسييرها وتسجر البحار فقط كما قال تعالى ، وبهذا تتآلف الآيات كلّها ، ولا يجوز غير هذا أصلا ، ومن اقتصر على آية التبديل كذب على كل ما ذكرنا ، وهذا كفر ممن فعله ، ومن جمعها كلها فقد آمن بجميعها ، وصدّق الله تعالى في كل ما قال ، وهو يوجب ما قلنا ضرورة ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : قد أكملنا ولله الحمد كثيرا الكلام على الملل المخالفة لدين الإسلام الذي هو دين الله تعالى على عباده الذي لا دين له في الأرض غيره إلى يوم القيامة ، وأوضحنا بعون الله وتأييده البراهين الضرورية على إثبات الأشياء ووجودها ثم على حدوثها كلها جواهرها وأعراضها بعد أن لم تكن ، ثم أنّ لها محدثا واحدا مختارا لم يزل ، لا شيء معه ، وأنه فعل لا لعلّة ، وترك لا لعلّة ، بل كما شاء لا إله إلّا هو ، ثم على صحّة النبوّات ، ثم على صحة نبوّة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلىاللهعليهوسلم ، وأنّ ملته هي الحق ، وكل ملّة سواها باطل ، وأنه آخر الأنبياء عليهمالسلام ، وملته آخر الملل.
فلنبدأ الآن بعون الله وتأييده في ذكر نحل المسلمين وافتراقهم فيها وإيراد ما شغب به من شغب منهم فيما غلط في شيء من نحلته ، وإيراد البراهين الضرورية على إيضاح نحلة الحق من تلك النحل ، كما فعلنا في الملل ، والحمد لله رب العالمين كثيرا ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي القدير.