أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(١) ، وقوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٢) إلى غير ذلك ، وقد صرّح فيها بإسناد الخلق إلى الله تعالى ، فلا بدّ وان يراد من قول الله خالق كل شيء الأشياء الموجودة في نفسها غير الأفعال ، وأعجب من هذا استدلالهم بقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٣) ، فانّ صدر الآية (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ، أي الّذي تعملونه وهو الخشب فانّ ال «ما» موصول بمعنى ومعرفة صلته ، فالمعنى الله خلقكم وما تنحتونه من الأخشاب لا انّ الله خلق نفس عملكم وفعلكم.
واما العقلي فأمران :
الأول : انّ الله تعالى عالم بأفعال العباد ، وإلّا لزم الجهل في ذاته المقدّسة ، وهو محال ، فإذا تعلق علمه بأنّ زيدا يفعل العمل الكذائي وعمرا يتركه ، فبالضرورة لا بدّ وان يتحقق ذلك ، وإلّا لانقلب علمه جهلا ، وهو محال.
وهذا الوجه ذكره «الفخر الرازي» ، وأرعد بذلك حيث قال ما حاصله : انه لو أجمع أهل العالم والعلماء لما أجابوا عن هذه الشبهة ، وافترى على هشام وقال : إلّا ان يختار ما ذهب إليه هشام من نسبة الجهل إليه تعالى.
وقد أضاف إلى الشبهة بعضهم ما مضمونه انّ الله تعالى أخبر عن دخول أبي لهب النار بقوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) ، فلو لم يكن كفر أبي لهب ضروريا وأمكن إيمانه ، والإيمان يجبّ ما قبله ، يلزم الكذب والجهل في ذاته المقدّسة.
وفيه : انّ العلم عبارة عن الانكشاف ، والانكشاف يتعلّق الواقع المنكشف
__________________
(١) المؤمنون ـ ١٤.
(٢) العنكبوت ـ ١٧.
(٣) الصافات ـ ٩٦.