على ما هو عليه واقعا ، فالعلم تابع للمعلوم ، لا انّ المنكشف تابع للعلم ، نظير من وقف امام المرآة فانّ ما يرتسم في المرآة يكون تابعا لصاحب الرسم لا العكس ، فالرسم يكون رسم إنسان يتبع كون الواقف امام المرآة إنسانا ، لا انّ الإنسان إنسان لأنّ رسمه رسم إنسان.
وبالجملة لا فرق بين علمه تعالى وعلمنا بالأشياء في ذلك ، فكما انا لو علمنا بأنّ زيدا يصلي غدا لا يؤثر ذلك في فعله ، وكلنا نعلم بأنه في الغد تطلع الشمس ولكن لا يؤثر علمنا في طلوعها ، كذلك علمه تعالى بافعال عباده لا يؤثر في تحققها فهو عزّ شأنه يعلم بصدور الفعل أو الترك من العبد بقدرته واختياره ، لأنه يصدر منه كذلك.
وأما ما ذكروه من قياس علمه تعالى بعلم البنّاء والخيّاط بعمله ، وتأثير ذلك فيه.
ففيه : انّ هذا العلم هو العلم الفعلي باصطلاح بعضهم أي ما يكون في طريق للفعل وهو عبارة عن تصوّر ، فتحقق كل فعل اختياري يكشف عن تعلق علم الفاعل به كشف المعلول عن علته ، فهذا العلم مؤثر في الفعل ، ولكن لا ربط له بالعلم بمعنى انكشاف الواقع.
والّذي يؤيد ما ذكرناه هو انه تعالى عالم بالملازمات وباستحالة الأمور المستحيلة كاجتماع النقيضين مع انه لا دخل لعلمه في شيء من ذلك ، فاستحالة اجتماع النقيضين ثابتة لا من جهة علمه تعالى بذلك ، هذا في الحل.
والنقض : انه تعالى كما هو عالم بافعال العباد عالم بافعال نفسه من إنزال المطر في الوقت الخاصّ ، وإرسال الريح في الزمان المعيّن ، وخلق زيد في الساعة الفلانيّة إلى غير ذلك ، فيلزم ان يكون تحققها ضروريا ، وان يكون جلّ شأنه مضطرّا في افعال نفسه ، ولا يلتزم به الأشعري ، وبالجملة بعد فرض تحقق الفعل من العبد