وتعلق علم البارئ به بهذا العنوان يكون صدوره منه ضروريا لكن من قبيل الضرورة بشرط المحمول ، واما في حد نفسه فصدور الفعل الاختياري وعدمه من العبد يكون بالنسبة إليه على حد سواء.
وأما ما ذكروه من انه بعد تعلق علمه بصدور الفعل عن الشخص لو لم يكن ضروريا ينقلب علمه إلى الجهل فهو فاسد ، إذ لو فرضنا تعلق علمه بصدور الفعل من العبد اختياريا فصدوره عنه بالاضطرار مستلزم لانقلاب علمه جهلا.
الثاني : انّ نسبة الفعل والترك في كل فعل اختياري إلى الفاعل يكون على حد سواء ، لأنّ المفروض انّ الفعل ممكن فلا بدّ في تحقق أحد طرفيه من ثبوت مرجح لذلك ، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجح ، فان ثبت مرجح لأحد الطرفين وأوجب تحققه ، فقد خرج إلى حد الوجوب فيجب تحققه ، وهذا هو المطلوب ، وإلّا فهو باق على حد الإمكان وداخلا تحت قدرة الفاعل ، ولا بدّ في تحقق أحد طرفي الممكن من مرجّح ، فان كان ذلك المرجّح الثاني أيضا موجبا فقد ثبت المطلوب ، وإلّا فالفعل باق على إمكانه إلى ان يتسلسل أو يتحقق مرجح موجب.
وفيه : انّ هذه الشبهة أيضا موهونة بعد التأمل.
فنقول : نحن لا شغل لنا بالألفاظ والاصطلاحات ، بداهة انّ نزاع الجبر والتفويض غير مبني على وضع لفظ الإرادة ونظائره ، بل نريد ان نتأمل الواقع ونرى ما يتحقق في أنفسنا وجدانا عند صدور الفعل عنّا ، لا شبهة في انه :
أولا : لا بدّ لنا من ملاحظة الفعل وتصوّره ، ثم بعد ذلك لا بدّ من إدراك كون الفعل والترك ملائما لإحدى قوانا الظاهرية أو الباطنية وربما يعبرون عنه بالتصديق بالفائدة ، ثم إدراك ما يترتب عليه من المفسدة ودفعها أو توطين النّفس عليها ، ثم نشتاقه ونميل إليه ، وبعد ذلك نرى انّ لنا قدرة على الفعل وعلى الترك ، وبعد ذلك ليس إلّا إعمال القدرة فتحريك العضلات من دون ان يكون هناك مرجح إلى كونه