يكون مختارا ، فثبوت الاختيار في الإنسان غير محتاج إلى جعل مستقل ، وعليه فحيث انّ الاختيار فعل العبد ويكون دخيلا في تحقق فعله الاختياري يستند الفعل إلى العبد ، وحيث انّ بعض أسبابه وهو العلم والإدراك يكون جعله من الله تعالى يستند الفعل إليه جلّ شأنه ، وهذا معنى أمر بين أمرين ، وفي كلامه صغرى وكبرى وتطبيقا نظر.
والحاصل : انه تلخّص مما ذكر ان أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى كما ذهب إليه الأشاعرة ، ولا هي معلولة للإرادة كما ذهب إليه الفلاسفة ، بل هي فعل العبد صادرة باختياره.
نعم القدرة على ذلك آناً فآنا تكون من الله تعالى ، حتى في حال العصيان ، وهذا معنى الأمر بين أمرين ، كما ورد في الروايات ، وفي بعضها سئل عن الإمام ما حاصله : انه هل يكون الفاعل هو الله ، فقال عليهالسلام ما مضمونه : هو أعدل من ذلك ، فقال : فالعبد هو الفاعل ، فقال عليهالسلام : هو أعجز من ذلك.
ومنشأ ما ذهب إليه الفلاسفة انما هو ذهابهم إلى احتياج كل فعل إلى علّة تامّة يستحيل تخلّفها عن المعلول ، وقد ذكرنا انه لا دليل عليه ، وانما الفعل يحتاج إلى الفاعل ليس إلّا ، وبهذا ظهر ما في الكفاية من الخلل ، وذكرنا من مواردها موردين :
الأول : تقسيمه الإرادة إلى التكوينيّة والتشريعيّة ، فانّ ذلك على مسلكهم من انّ الإرادة من الصفات تام ، حيث لا معنى لها في البارئ إلّا العلم ، فعلمه تعالى تارة : يتعلّق بما له دخل في النظام الأتم فيعبّر عنه بالإرادة التكوينيّة ، وأخرى : بما له دخل في مصلحة شخص خاص ويسمى بالإرادة التشريعيّة ، ولكن على ما اخترناه من انّ الإرادة هي من افعال النّفس ، فالإرادة دائما تكون تكوينيّة ، والفرق يكون في متعلّقها.