وبالجملة عدم إمكان التمسّك بإطلاق دليل الواجب لإثبات التوصّلية مبتن على مقدمتين :
إحداهما : عدم إمكان تقييد الواجب بقصد الأمر.
ثانيهما : عدم إمكان الإطلاق ما لم يمكن التقييد.
وقد ذكروا لاستحالة التقييد وجوها أمتنها وجهان :
أحدهما : ما أفاده المحقق النائيني ، وتوضيحه : انّ للحكم مرحلتين ، مقام الإنشاء ومقام الفعلية ، وفي مقام الإنشاء لا بدّ من فرض وجود الموضوع بجميع قيوده وخصوصيّاته ، وهذا هو الشأن في جميع الأحكام المنشأة على نحو القضية الحقيقية حتى الإخبارات ، مثلا لو أخبر أحد بأنّ بحرا من زئبق بارد بالطبع لا بدّ للحاكم من فرض وجود البحر من زئبق ثم الحكم عليه بأنه بارد ، وهكذا في الأحكام الوضعيّة ففي مثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) يفرض المولى البيع ، ثم يحكم بكونه موجبا للملكية وحصول النقل والانتقال ، وكذا الحال في الأحكام التكليفيّة ، فإذا حكم المولى بوجوب حج البيت لا بدّ له من فرض وجوده ثم الحكم بوجوب الحج إليه.
فما لا بدّ منه في مقام الإنشاء ليس إلّا فرض وجود الموضوع ، وامّا وجوده حقيقة فغير معتبر في مقام إنشاء الحكم أصلا ، ولذا يمكن إنشاء وجوب الحج قبل وجود البيت ، ويجوز إنشاء وجوب الصلاة عند الزوال قبل تحقق الزوال ، وهكذا فإذا شكّ في ثبوت الإنشاء وارتفاعه بالنسخ يتمسك بإطلاق الدليل ويحكم ببقائه.
وأما مرحلة الفعليّة فمتوقّفة على فعليّة الموضوع ووجوده حقيقة بما له من القيود والخصوصيات ، فما لم يتحقق الزوال لا يكون وجوب الصلاة عنده فعليّا ،
__________________
(١) البقرة ـ ٢٧٥.