فهي أيضا ممنوعة ، إذ لا منشأ لها سوى ما ذكره المحقق النائيني (١) من انّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، وقد أفاد في بيان ذلك مقدّمة حاصلها : انّ لكلّ من موضوع التكليف ومتعلّقه انقسامات سابقة ينقسم إليه مع قطع النّظر عن ورود شرع وشريعة ، كانقسام المكلّف إلى الأبيض والأسود ، وإلى الطويل والقصير ، إلى غير ذلك ، وانقسام المشي إلى البطيء والسريع ، وانقسامات لا حقة لا ينقسم إليها الموضوع أو المتعلّق إلّا بعد ثبوت الحكم وتحقّقه ، كانقسام المكلّف إلى العالم بالحكم والجاهل به ، وإهمال الحكم ثبوتا بالنسبة إلى الانقسامات الأولية مستحيل ، إذ لا معنى لأن يكون الحاكم الملتفت إلى تلك الانقسامات جاهلا بما تعلّق به حكمه أو بما رتب حكمه عليه ، فلا مناص فيه من الإطلاق أو التقييد ، نعم إثباتا يمكن الإهمال وان لا يبيّن المولى موضوع حكمه أو متعلّقه.
وامّا بالقياس إلى الانقسامات الثانوية ، فالإهمال ضروري ، ويستحيل كل من الإطلاق والتقييد ، اما استحالة التقييد فلما مر من لزوم الدور وتقدم الشيء على نفسه ، واما استحالة الإطلاق فلأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، فانّ الإطلاق انما هو بمعنى عدم التقييد فيما شأنه ذلك ، فإذا لم يكن للتقييد شأنيّة في مورد فلا مجال فيه لعدم تقييد ما من شأنه ذلك وانقسام المأمور به إلى ما يقصد به الأمر وما لا يقصد من الانقسامات الثانوية المتفرّعة على تحقق الأمر.
هذا ونقول : ما أفاده في استحالة إهمال الحكم من حيث الانقسامات الأولية بعينه يجري في الإهمال بالقياس إلى الانقسامات الثانوية ، فانه لا يعقل ان يكون الحاكم الملتفت إلى انقسام متعلّق حكمه ولو في مقام العمل ـ لا في مقام جعل الحكم ـ ان يكون جاهلا بما اراده أو رتّب عليه حكمه ، فانه من قبيل ان يكون الحاكم طالبا
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٠٣.