فيلزم تخلف الإنشاء عن المنشأ ، وهو بمنزلة تخلف الإيجاد عن الوجود ، وهو خلف واضح ، فانّ الإيجاد والوجود حقيقة أمر واحد والفرق بينهما اعتباري.
وقد أجاب عن الإشكال في الكفاية (١) بما حاصله : انّ الإنشاء انما هو كالاخبار ، فكما يمكن الاخبار والحكاية عن أمر متأخر تقديري لحكاية المنجز الجزمي مثلا تارة نقول «زيد ابن عمر» وأخرى نقول «مات زيد ان شرب السم» كذلك الإنشاء تارة يتعلق بأمر منجز فينشأ الحكم المنجز كما لو قال «أكرم زيدا» ، وأخرى يتعلق بثبوت الحكم على تقدير دون تقدير فيقال «أكرم زيدا ان جاءك» ، فعلى الثاني لا بدّ وان يتأخر المنشأ عن الإنشاء وإلّا يلزم الخلف ، لأنّ المنشأ بهذا الإنشاء كان امرا تقديريا لا منجزا ، والمفروض انه لم يتعلق إنشاء بالمنشإ الفعلي المنجز.
هذا والظاهر انه ليس جوابا عن الإشكال ، فانه انما كان من حيث استحالة تخلف الإيجاد عن الوجود وامتناع تعلق الإنشاء الفعلي بالمنشإ التقديري.
نعم لو كان ذلك ممكنا فالتخلف يكون خلفا ، إلّا انّ الكلام فعلا في إمكانه واستحالته ، ولا وجه لقياس الإنشاء بالأخبار ، إذ الاخبار ليس بابه باب الإيجاد وانما هو حكاية ، فيمكن تعلقه بأمر استقبالي أو سابق أو مقارن.
فالصحيح ان يقال : ان الإنشاء على ما عرفت ليس إلّا إبراز الاعتبار النفسانيّ ، كما انّ الاخبار أيضا كاشف عن قصد الحكاية لا عن النسبة الخارجية ، بداهة عدم استلزامه التصديق بالمخبر به أصلا ، ولذا لو أخبر أحد بعدم الصانع لا نتيقن من اخباره بذلك وانما نحكم بكفره وقد ذكرنا انه غير متّصف بالصدق والكذب إلّا من جهة كون المبرز به متعلقا بما في الخارج ، فالصدق والكذب فيه انما
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٥٤.