والصحيح منها هو الأول ، لأنّ تكليف العاجز لغو ، وبقاء العقاب حينئذ امر وجداني يستفاد من بناء العقلاء وعملهم في أمورهم العادية ، فانّ من رمى ابن المولى وان كان بعد الرمي عاجزا عن عدم قتل ابن المولى فلا يصح تكليفه به إلّا انّ استحقاق العقاب لا يسقط عنه عقلا ، وليس له ان يعتذر عند المولى بأني بعد الرمي كنت عاجزا ، وكان ترك القتل ممتنعا بالقياس إليّ.
إذا عرفت هذا فنقول : ذكر المحقق النائيني (١) انّ ما نحن فيه يتصوّر على صور :
الأولى : ان تكون القدرة على العمل في ظرفه دخيلة في اتصافه بالملاك والمصلحة ، ويعبر عنها بالقدرة الشرعية بحيث يكون الملاك الملزم التام ثابتا في ظرفه ، كان العبد قادرا على الإتيان بالعمل حينئذ أم لم يكن بان يكون عدم امر المولى به لمانع منه ، ويعبر عن هذه القدرة بالقدرة العقلية ، فالعقل في ذلك يلزم بتحصيل مقدماته قبل وصول ظرف العمل ، لأنّ تركه مستلزم لتفويت الملاك الملزم التام في ظرفه اختيارا ، وهو قبيح على حد قبح المعصية ، لأنّ الملاك هو روح التكليف ، فيستقل العقل باستحقاق العقاب على ذلك ، ويشهد لذلك الرجوع إلى ما عليه بناء العقلاء في أمورهم وسياساتهم كما عرفت.
وما أفاده قدسسره من استقلال الفعل بذلك متين جدا ، إلّا انه ذهب إلى استتباع هذا الحكم العقلي لثبوت وجوب شرعي في مورده قد عبر عنه بمتمم الجعل (٢) ، ونحن نعبر عنه بالوجوب بالغير ، بدعوى انه إذا استقل العقل بحسن شيء أو قبحه فبما انّ الشارع رئيس العقلاء فلا بدّ ان يحكم به أيضا ، وليس حكمه بالحسن إلّا إلزامه بالفعل ، كما ان حكمه بقبح شيء ليس إلّا إلزامه بالترك.
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٥٠.
(٢) راجع أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٥٦.