ونقول : الظاهر عدم ثبوت الحكم الشرعي في هذا المورد أصلا ، لما عرفت من انّ الحكم العقلي المستتبع للحكم الشرعي انما هو حكمه في مرحلة ملاكات الأحكام بان أدرك العقل ثبوت المصلحة ، أو المفسدة في شيء ، كما أدرك المفسدة في الظلم وانه موجب لاختلال النظام وفناء النوع ، وأمثال ذلك ، فالشرع أيضا حكم بحرمته ، وأمّا حكمه باستحقاق العقاب في مورد فلا يستتبع الحكم الشرعي أصلا ، لأنه حكم واقع في سلسلة معلول الحكم الشرعي وملاكه فكيف يعقل ان يكون مستتبعا له ، مضافا إلى انّ ثبوت الحكم المولوي في مثل ذلك لغو محض بعد استقلال العقل باستحقاق العقاب على الترك كما فيما نحن فيه ، وهو واضح ، فما هو ثابت بالوجدان انما هو حكم العقل لا الشرع.
فالكبرى الكلية التي أفادها مع قطع النّظر عن ما ذكره من استتباع الحكم الشرعي تامة ، ويترتب عليها فروع كثيرة ، إلّا انّ الكلام في تحقق صغراها ، فانه ذكر قدسسره في وجه عدم دخل القدرة في الملاك ما حاصله : انه لو امر المولى بشيء فمدلول كلامه مطابقة انما هو وجوب ذلك الشيء ، ومدلول ذلك التزاما هو ثبوت ملاك الوجوب فيه ، فمدلوله المطابقي وهو التكليف يقيد عقلا بالقدرة لقبح تكليف العاجز. واما مدلوله الالتزامي وهو ثبوت الملاك الملزم في العمل فلا وجه لتقييده بحال القدرة ، فيبقى على إطلاقه ، فيستكشف منه ثبوت الملاك حتى في فرض عجز المكلف ، انتهى.
وفيه : انّ المدلول الالتزامي يتبع المدلول المطابقي ثبوتا وسقوطا ، وحجّية وإطلاقا وتقييدا على ما سنبيّنه في بحث الضد ، فإذا قيد المدلول المطابقي فلا يبقى المدلول الالتزامي على إطلاقه ، فيحتمل سقوط الملاك عند العجز كما يحتمل بقائه ، فما ذكره من استظهار بقاء الملاك عند العجز في جميع الواجبات غير تام ويزيد ما ذكرناه انه لو كان الأمر كذلك وأحرز إطلاق القدرة حتى في حال العجز لكان اللازم