وكأنّ المحقق الخراسانيّ (١) سلم الإشكال ولذا ، عدل عن تعريف المشهور إلى تعريف آخر وهو : انّ الواجب النفسيّ ما وجب لحسنه النفسيّ أي كان الداعي على إيجابه هو حسنه الذاتي وان كان مشتملا على المصلحة الملزمة أيضا. والواجب الغيري ما وجب لترتيب واجب آخر عليه كاستيفاء المصلحة الملزمة وكان الداعي على إيجابه ذلك وان كان حسنا ذاتا أيضا إلّا انّ الداعي على إيجابه لم يكن ذلك.
وفيه : انه ما المراد بالحسن الذاتي؟
فان أريد به الحسن الناشئ من ترتب الملاك والمصلحة عليه فهو عين المصلحة والواجب لأجله واجب غيري على ما ذكره.
وان أريد به حسن نفسي مستقل ، فأولا : أي دليل دل على اشتمال الواجبات النفسيّة على الحسن الذاتي زائدا على ترتب المصلحة عليها ، بل هو امر مقطوع العدم في غير الركوع والسجود من العبادات الذاتيّة الحسنة بالذات ولو لم تكن في البين مصلحة مترتبة عليها ، بداهة انه لا حسن في دفن الميت غير عدم انتشار جيفته ، وهكذا في غسله.
وثانيا : بناء على ذلك لا يبقى في البين واجب متمحض في النفسيّة ، بل جميع الواجبات النفسيّة تكون مرددة بين النفسيّ والغيري ، وذلك لوجود كلا الملاكين فيها ، أي ملاك الوجوب النفسيّ وهو الحسن الذاتي ، وملاك الوجوب الغيري وهو ترتب المصلحة عليها. ولا معنى لأن يجعل المولى داعيه لإيجابه الحسن الذاتي مع وجود الملاك الآخر التام للداعوية فيها ، فانه ترجيح بلا مرجح ، ولا يمكن الالتزام بذلك.
فهذا التعريف أيضا مخدوش ، فنرجع إلى تعريف المشهور فنظر في انه هل
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٧٢.