الظرف فيقال : «ضرب زيدا عمرا بالعصا في الدار» فما يدل على ثبوت النسبة بين العصي والضرب بالآلة انما هو لفظ «ب» وما يدل على النسبة بينه وبين الدار بالظرفية انما هو لفظ «في».
وهذه النسب وجودها وجود ربطي ولا في نفسه ، وقد عبّر بعض الفلاسفة بأنها متدليات بأنفسها والدال عليها هو الحروف ، وعليه فتكون مباينة مع الأسماء رأسا ونقول : ان هذا الوجه كان جميلا لو لا صحّة استعمال الحروف في غير الجواهر والأعراض مما هو فوقها ودونها ، مثلا يستعمل في البارئ ويقال : «قال الله تعالى لموسى» ويستعمل بين الشيء ونفسه فيقال : «زيد في نفسه عادل» ويستعمل فيما دون الجواهر والأعراض من الاعتبارات فيقال : «الإنسان ممكن في الخارج» أو المستحيلات فيقال : «اجتماع النقيضين مستحيل في الخارج» إلى غير ذلك ، ومن الواضح انه لا معنى لوجود النسبة خارجا في هذه الموارد أصلا ، فهذا الوجه أيضا لا يتم.
وبالجملة بناء على ثبوت المعنى للحروف وكون معانيها مباينة مع الأسماء قد قيل في تعيين ذلك وجهان :
الأول : ما تقدم من بعض أعاظم مشايخنا قدسسرهم من كون الحروف موضوعة لحقيقة النسب النّفس الأمرية ، وقد عرفت ما فيه.
الثاني : ما أفاده المحقق النائيني (١) ، وحاصله : ان الأسماء كلها معانيها إخطارية وينتقل الذهن من سماعها إلى معانيها ، مثلا ينتقل من لفظ زيد إلى تلك الذات ويكون حاكيا عنها ، وأما الحروف فهي إيجادية ويوجد به الربط بين الألفاظ.
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٨.