الوضع بان يوضع الألفاظ للمعاني بلا غرض وغاية ، بل كان غرضه سهولة التفهيم والتفهم ، وحينئذ نسأل أي شيء يستفيده السامع وينتقل إليه من سماع هذه الهيئة؟ وجدانا نرى انا لا ننتقل من سماعها الا إلى تصور نسبة المحمول إلى الموضوع مع احتمال وقوعها وعدم وقوعها في الخارج ، ولا نستفيد منها أكثر من ذلك.
وهذا المعنى نستفيده من الهيئات المفردة أيضا مثل «قيام زيد» مثلا ، ومن الجملة السلبية أيضا كقولك «ما زيد بقائم» ، ولا كاشفية لها عن التصديق بثبوت النسبة ، والمفروض انها من القضايا التصديقية ، فلا بد وان تكون موضوعة لمعنى آخر ، فما هو ذلك المعنى؟
والصحيح ان يقال : انها موضوعة لقصد الحكاية والاخبار ، ويتضح هذا بما ذكرناه في حقيقة الوضع ، وانه عبارة عن تعهد الواضع والتزامه بذكر اللفظ عند إرادة تفهيم المعنى ، وفي وضع الهيئة في الجمل الخبرية : التزام بالإتيان بها عند قصد الحكاية ، فهي تدل على ان المتكلم قصد بإيجادها الحكاية والاخبار وان داعيه على الإتيان بها هو ذلك.
وعليه فالهيئة من حيث مدلولها لا تحمل الصدق والكذب ، لأن دلالتها على قصد اللافظ تكون كدلالة لفظ زيد على معناه ، وانما يكون الصدق والكذب فيها بلحاظ متعلق مدلولها وهو الاخبار والحكاية من حيث مطابقتها مع المحكي وعدمها ، وحيث ان الداعي في الأفعال الاختيارية يكون عنوانا للفعل ، مثلا إذا قام بقصد التعظيم يصدق على القيام انه تعظيم ، وإذا فعله بداعي السخرية يكون الفعل سخرية وهكذا ، ففي المقام حيث ان الداعي على الإتيان بالهيئة الخاصة يكون هو الاخبار ، فيصدق الحكاية والاخبار على نفس الهيئة بلا عناية ، كما يصدق على رفع الرّأس والإشارة بالأعضاء في مقام الحكاية والاخبار عن شيء ، فتكون الجملة كالفعل الخارجي بنفسها مصداقا للخبر.