أرجح منها مصلحة فممدوح ، وإلّا فمذموم. وقيل : هو إلقاء [النّفس فى](١) العبودية وإخراجها من الرّبوبيّة. وقيل هو التسليم لأمر الربّ وقضائه. وقيل : التّفويض إليه فى كلّ حال. وقيل : التوكّل بداية ، والتّسليم وساطة ، والتفويض نهاية.
قال أبو علىّ الدّقّاق. التوكّل (٢) ثلاث درجات : التوكّل ، ثم التّسليم ، ثمّ التّفويض ، فالمتوكّل يسكن إلى وعده ، وصاحب (٣) التسليم يكتفى بعلمه ، وصاحب التّفويض يرضى بحكمه. فالتوكّل صفة المؤمنين ، والتّسليم صفة الأولياء ، والتّفويض صفة الموحّدين. التوكّل صفة الأنبياء ، والتسليم صفة إبراهيم الخليل ، والتّفويض صفة نبيّنا صلىاللهعليهوسلم.
وحقيقة الأمر أنّ التوكّل حال مركّبة من مجموع أمور لا يتمّ حقيقة التوكّل إلّا بها ، وكلّ أشار إلى واحد من هذه الأمور أو اثنين أو أكثر ، فأوّل ذلك معرفة الربّ تعالى وصفاته من : قدرته ، وكفايته ، وقيّوميّته (٤) ، وانتهاء الأمور إلى علمه وصدورها عن مشيئته وقدرته ، وهذه المعرفة أوّل درجة يضع بها العبد قدمه فى مقام التوكّل.
الدّرجة الثانية : إثبات الأسباب والمسبّبات ، فكلّ من نفاها فتوكّله مدخول (٥) ؛ وهذا عكس ما يظهر فى بادئ (الرأى) (٦) أن إثبات
__________________
(١) تكملة من الإحياء والعبارة من قول ذى النون المصرى (٤ / ٢٢٨).
(٢) الإحياء : ٤ / ٢٢٨.
(٣) فى الإحياء : والمسلم.
(٤) قيوميته : قيامه تعالى بأمر خلقه فى إنشائهم ورزقهم وعلمه بمستقرهم ومستودعهم فلا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا بقدرته هذه.
(٥) مدخول : مشوب بما يفسده ولذا يقول الغزالى فى الإحياء : التباعد عن الأسباب كلها مراغمة للحكمة وجهالة لسنة الله.
(٦) سقط من ا.