ثمّ تصرّح الآيات ، أنّ أهل الكتاب : اليهود والنصارى يعرفون النبيّ وصفاته ، وأنّه النبيّ الّذي يصلّي إلى قبلتين ، وأنّ الأخيرة منهما الكعبة الّتي بناها إبراهيم ، يعرفونه بهذا وبأكثر من هذا كما يعرفون أبناءهم ، ثمّ يؤكّد الله ـ سبحانه ـ الأمر بالتوجّه إلى الكعبة ، ويقول : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ـ في اتّباع قبلتهم ـ (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ـ وهم المشركون بمكّة ـ (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي).
* * *
كان ذلكم تفسير الآيات مع ملاحظة ما جاء في الروايات بيانا لشأن نزولها ، أمّا ما قال علماء مدرسة الخلفاء ، فإنّهم على عادتهم في تجزئة المجموعة الواحدة من الآيات القرآنية ، ثمّ درسهم كلّ آية على حدة ، قالوا ورووا عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة وعن عدد غير الصحابة كذلك (١) في تفسير آية :
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) البقرة / ١١٥ : إنّ الناس كانوا يصلّون نحو بيت المقدس ، فنزلت آية : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (البقرة / ١٤٩) فنسخت تلك الآية.
في حين أنّ الآية الّتي زعموا أنّه كان فيها حكم القبلة إنّما جاءت تكملة لآيات سبقتها ، ومنها الآية الّتي قبلها : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ...) (البقرة / ١١٤) ، (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة / ١١٥) ، وهما بقية الآيات السابقة ، ولا صلة بين
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ٢ / ٨٣ ؛ والدرّ المنثور ١ / ١٠٨ ، وعدّه السيوطي في الإتقان ١ / ٢٣ ، من العشرين الّذي نسخ حكمه دون تلاوته.