وفي الثانية قال :
يا ابن عباس! أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّد (ص)؟
فكرهت أن اجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني.
فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة ، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا ؛ فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت.
فقلت : يا أمير المؤمنين! إن تأذن لي في الكلام وتمط عنّي الغضب تكلّمت.
فقال : تكلم يا ابن عباس.
فقلت : أمّا قولك ـ يا أمير المؤمنين ـ اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت ، فلو أنّ قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزوجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأمّا قولك : إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة ؛ فإن الله عزوجل وصف قوما بالكراهية فقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ).
فقال عمر : هيهات والله يا ابن عباس ؛ قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرّك عليها فتزيل منزلتك مني.
فقلت : وما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقّا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر : بلغني أنك تقول : إنّما صرفوها عنا حسدا وظلما.
فقلت : أما قولك ـ يا أمير المؤمنين ـ ظلما فقد تبين للجاهل والحليم.
وأمّا قولك حسدا ؛ فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون.
فقال عمر : هيهات! أبت والله قلوبكم ـ يا بني هاشم ـ إلّا حسدا ما يحول ، وضغنا وغشا ما يزول.
فقلت : مهلا يا أمير المؤمنين! لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم