وقال ابن أعثم :
ولمّا رأت امّ المؤمنين اتّفاق الناس على قتل عثمان ، قالت له :
أي عثمان! خصّصت بيت مال المسلمين لنفسك ، وأطلقت أيدي بني اميّة على أموال المسلمين ، وولّيتهم البلاد ، وتركت امّة محمّد في ضيق وعسر ، قطع الله عنك بركات السماء وحرمك خيرات الأرض ، ولو لا أنك تصلّي الخمس لنحروك كما تنحر الإبل (١).
فقرأ عليها عثمان : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(٢) انتهى.
إنّ هذه الكلمات القارصة من الخليفة في امّ المؤمنين عائشة ذات الطبع الحادّ والّتي لم تكن لتملك نفسها عند سورة الغضب ، والكتاب الّذي عثر عليه أخوها محمّد في طريقه إلى مصر والّذي فيه أمر صريح بقتله وآخرين من رفقته ممّن أدركوا صحبة النبيّ وغيرهم من المسلمين ؛ قد دفعت امّ المؤمنين ـ الّتي كانت تذهب نفسها في سبيل الدفاع عن ذوي قرباها ـ أن تصدر الفتوى الصريحة بقتل الخليفة عثمان وكفره ، فتقول فيه :
اقتلوا نعثلا فقد كفر.
__________________
(١) كتاب الفتوح ، ٢ / ٢٢٥. وينبغي أن تكون هذه المحاورة قبل عثور أخيها محمّد على كتاب عثمان في طريق مصر يأمر فيه بقتلهم ، فإنّها بعد ذلك كانت تفتي بقتله غير مبالية بصلاته.
(٢) الآية العاشرة من سورة التحريم وكان عثمان يعرض بها إلى ما أطبق عليه المفسّرون من أنّ منشأ قصّة التحريم ما قامت به امّ المؤمنين عائشة واخرى معها من امّهات المؤمنين ، فنزلت فيهما سورة التحريم.