فسكتوا على مضض وبقي طلحة والزّبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان حكم الإمام بعد أن لم يحقق رغبتهما في توليتهما البصرة والكوفة.
وبلغ أخبار المدينة امّ المؤمنين عائشة وهي في طريق عودتها من الحج إلى المدينة فرجعت إلى مكة وأظهرت الطلب بدم عثمان وانقلبت من مفتية بقتله إلى طالبة بدمه ، فالتحق بها الساخطون على الإمام لتسويته في العطاء من قريش يقدمهم طلحة والزّبير وبنو اميّة وذهبوا جميعا إلى البصرة وأقاموا على الإمام حرب الجمل باسم الطلب بدم عثمان ، فسار إليهم الإمام من المدينة في جيش جلّه من الأنصار ، ولمّا انتصر عليهم في القتال وملك البصرة قسّم ما في بيت المال في البصرة عليهم بالسويّة ولم يفضّل أحدا على أحد ، ثمّ اتجه إلى الكوفة واتخذها عاصمة لحكمه.
وقادت قريش بزعامة معاوية أهل الشام لحربه في صفين باسم الطلب بدم عثمان ، ولمّا بان الانكسار عليهم ، رفعوا القرآن حيلة ، يطلبون من الإمام تحكيمه في ما بينهم ، فانطلت الحيلة على جيش الإمام ، وأكرهوا الإمام على قبول التحكيم ، وأن يعيّن من قبله أبا موسى الأشعري ، وعين معاوية عمرو بن العاص فخدع عمرو أبا موسى فخلع الإمام ومعاوية ، وتقدّم بعده عمرو فنصب معاوية وخلع الإمام ، فأدرك المتنسكون في جيش الإمام خطأهم ، وقالوا : كفرنا بقبولنا التحكيم وتبنا ، وكفّروا عامّة المسلمين وأحلّوا دماءهم ، فحاربهم الإمام في نهروان وقتل منهم من حضر القتال ، وعاد إلى الكوفة.
وألحّ على تهديم النظام الطبقي الّذي شيّده الخلفاء قبله واعتاده المجتمع الإسلامي في ربع قرن ، وساوى في العطاء ذات مرّة بين امرأة من الموالي واخرى عربية فقالت : يا أمير المؤمنين! إنّي امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم! فقال : إنّي لا أجد لبني إسماعيل ـ أي العرب ـ فضلا على بني إسحاق ـ أي العجم ـ ، وغضب على الأشعث بن قيس ـ وكان من ملوك كندة في الجاهلية ـ لمّا تخطّى