وسنّ نظاما للمفاضلة بحفظ القرآن ، وخاصّة السور الطّوال ، وعيّن ممّن حفظ السور الطّوال الولاة ، وكذلك كان شأنه وشأن سائر المسلمين في مجتمعاتهم خارج المدينة ، حيث أرسل لكل مجتمع إسلامي مقرئا يقرئهم القرآن ويحذون حذوه في أمر نشر تعليم القرآن في تلكم المجتمعات ، ولا يتيسر إحصاء من حفظ القرآن عن ظهر قلب من المسلمين في عصر الرسول (ص) ، وكذلك من كتبه مع بيان الرسول حوله والّذي تلقاه بواسطة الوحي.
وما روي عن أنس في حصر من جمع القرآن من أقربائه عن ظهر قلب بأربعة أو خمسة فإنّه مردود بما تواتر من أخبار من جمع القرآن وكتبه من غير أفراد قبيلته ، وما بلغنا من أخبار من جمع القرآن أو كتبه أو حفظ منه ما حفظ إنّما ذكر لمناسبة استدعت ذكر من حفظه عن ظهر قلب أو جمعه ؛ مثل خبر عبد الله بن عمرو الّذي كان قد جمع القرآن وكان يريد أن يتلوه في أقل من سبع ليال ، فنهاه الرسول (ص) عن ذلك ؛ ومثل خبر المصحف الّذي كان في بيت الرسول (ص) وجمعه الإمام عليّ وعرضه عليهم في مسجد الرسول (ص) فأبوا أن يقبلوه ؛ وخبر إملاء ابن مسعود القرآن في الكوفة عن ظهر قلب وعدم تسليمه مصحفه لوزعة الخليفة عند ما أحرقوا نسخ القرآن عند الصحابة ، أو خبر الشهيدة امّ ورقة من النّساء ، أو خبر من كان كتب في مصحفه مع كل آية تفسيرها ـ أي ما بيّن الرسول (ص) في حديثه حولها ـ فقرض الخليفة عمر تفسير الآيات بالمقراضين ، أو خبر حفظ زيد بن ثابت سبع عشرة سورة من القرآن قبل أن يهاجر الرسول (ص) إلى المدينة ، أو قول ابن مسعود أخذت من في رسول الله (ص) نيفا وسبعين سورة وزيد له ذؤابتان ، أو نحر الصحابي جزورا عند إتمامه حفظ سورة البقرة عن ظهر قلب ، أو مثل خبر اشتراك ثلاثة آلاف قارئ في معركة اليمامة قرابة سنة بعد وفاة الرسول (ص) في جيش بلغ عدد أفراده ثلاثة عشر ألف مقاتل أكثرهم من أعراب البوادي.