وأما غيرهما مما ذكره الله تعالى في سياق الآية فحدوثه مدرك ضرورة.
فحدوث العالم لا يخلو إما أن يكون لفاعل أو لغيره (١) أو لا لفاعل ولا لغيره ليس الثالث ؛ لأن تأثيرا لا مؤثر له محال ، وبذا يعرف بطلان قول عوام الملحدة : الدجاجة والبيضة محدثتان ولا محدث لهما.
وقول ثمامة (٢) : المتولد محدث (٣) لا محدث له ، وإلا لزم أن يوجد بناء بلا بان ، وهو محال.
ولا الثاني : إذ لا تأثير لغير الفاعل كما تقدم في فصل المؤثرات ، فثبت أنه لفاعل.
قالوا : تعلق القدرة به حال عدمه محال.
قلنا : بل محال أن تتعلق القدرة بالموجود ، وإنما تتعلق بالمعدوم لتحصيله ، لأن المعدوم لو كان حاصلا عند (٤) تعلق القدرة لتحصيله لأغنى ذلك عن تعلق القدرة به.
قالوا : تعلقت القدرة بالحجارة للعمارة ، والحجارة موجودة.
قلنا : الحجارة من جملة آلة العمارة ، فتعلق القدرة بالعمارة إنما كان حال عدمها بواسطة الآلة.
قالوا : العمارة هي نفس الحجارة ، وإنما كانت كامنة في نفسها.
__________________
(١) م ط (فحدوثهما إما لفاعل).
(٢) ثمامة : هو أبو معن ثمامة بن الأشرس النميري في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة ، كان ثمامة على دراية بفن الجدل والمناظرة لبلاغته وفصاحته ، وسعة مداركه ، كان الخليفة العباسي المأمون يجله ، وكان ثمامة يناظر في مجلسه الشعراء والأدباء ، وقد أساء لأبي العتاهية في بعض مناظراته وإن كان لم يقصد ، ونسب إليه أقوال خالف فيها المعتزلة ، منها قوله في النظر ، وأن المعرفة المتولدة عنه فعل لا فاعل له ، وهذا رأيه في المتولدات بصفة عامة ، ومنها قوله في الاستطاعة : بأنها مجرد سلامة الجوارح. ش ١ / ٢٩٥. وهو شيخ الجاحظ ، توفي سنة ٢١٣ ه.
(٣) قال في تعليقة في الشرح المخطوط : صوابه (حدث).
(٤) م ط (حاصلا حين تعلق القدرة).