الامتثال ، إلّا أنّ شبهة اعتبار نيّة الوجه ـ كما هو قول جماعة بل المشهور بين المتأخّرين ـ جعل الاحتياط في خلاف ذلك ، مضافا إلى ما عرفت من مخالفة التكرار للسيرة المستمرة.
مع إمكان أن يقال : إنّه إذا شك بعد القطع بكون داعي الأمر هو التعبّد بالمأمور به ، لا حصوله بأي وجه اتفق ، في أنّ الداعي هو التعبّد بإيجاده ولو في ضمن أمرين أو أزيد ، أو التعبّد بخصوصه متميّزا عن غيره ، فالاصل عدم سقوط الغرض الداعي إلّا بالثاني ، وهذا
____________________________________
بالاحتياط ، فدفع المصنف رحمهالله هذا التوهم بقوله : وأدلة الظنون الخاصة إنّما دلت على كفايتها عن الواقع ، ولم تدل على تعيين العمل بها في مقام الامتثال ، فيجوز العمل بالاحتياط في مقام الامتثال ، ثم يبيّن أولوية العمل بالظن ، ويذكر لها وجوها :
الوجه الأول : أشار إليه بقوله : (إلّا أنّ شبهة اعتبار نية الوجه ـ كما هو قول جماعة بل المشهور بين المتأخرين ـ جعل الاحتياط في خلاف ذلك) أي : الاحتياط ، فالاحتياط بملاحظة هذه الشبهة هو العمل بالظن لأنّه سبيل لا منع فيه.
قوله : (مضافا إلى ما عرفت من مخالفة التكرار للسيرة المستمرة) اشارة إلى الوجه الثاني.
قوله : (مع إمكان أن يقال ... إلى آخره) إشارة إلى الوجه الثالث.
وحاصل هذا الوجه أنّ أمر الشارع تابع لتعلّق غرضه بما تعلّق به الأمر ، والغرض هو الداعي إلى الأمر ، ولا يسقط الأمر الّا بعد حصول الغرض ، فلا بدّ للمكلف من عمل في مقام امتثال الأمر يحصل به غرض الشارع من الأمر حتى يسقط أمره.
ومن هنا يمكن أن يقال : إنّ قصد الوجه ، وتمييز ما هو الواجب ، وإن لم يدل عليهما دليل شرعي ، ولا دليل عرفي لتحقّق الإطاعة عرفا بالاحتياط ، الّا أنّ العقل يحكم باعتبارهما للشك في حصول الغرض بدونهما ، ويحصل العلم بحصول الغرض معهما ، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير.
بمعنى أنّ الغرض لو حصل بالاحتياط يكون المكلّف مخيّرا بين العمل بالاحتياط ، والعمل بالظن ، لحصول الغرض بكل واحد منهما ، وأمّا لو لم يحصل الغرض الّا بالعمل بالظن ، فيكون العمل بالظن متعيّنا على المكلّف ، إذ العقل في دوران الأمر بين التعيين والتخيير يحكم بالتعيين فيجب العمل بالظن لحصول الغرض به يقينا.