وأمّا المخالفة تدريجا وفي واقعتين فهي لازمة البتة ، والعقل كما يحكم بقبح المخالفة دفعة عن قصد وعمد كذلك يحكم بحرمة المخالفة في واقعتين تدريجا عن قصد إليها من غير تقييد بحكم ظاهريّ عند كل واقعة. وحينئذ فيجب بحكم العقل الالتزام بالفعل أو الترك ، إذ
____________________________________
أن يقال : إن ترجيح المصنّف رحمهالله هنا عدم جواز الرجوع إلى الإباحة ينافي ما تقدم منه من الحكم بجواز الرجوع إلى الإباحة ، وإن كان مستلزما للمخالفة الالتزامية ، فإنّه يقال : إن ترجيحه عدم الجواز هنا لا ينافي حكمه بالجواز سابقا.
وذلك لأن الرجوع إلى الإباحة المستلزم للمخالفة الالتزامية تارة : لا يؤدّي إلى المخالفة العملية ، واخرى : يؤدّي إلى ذلك ولو تدريجا.
فما تقدّم منه هو القسم الأول الذي لا يؤدّي إلى المخالفة العملية ، وما ذكره هنا من ترجيح عدم الجواز ناظر إلى القسم الثاني الذي يؤدّي إلى المخالفة العملية ولو تدريجا في واقعتين ، كالالتزام بإباحة دفن الكافر المردّد أمره بين الوجوب والحرمة ، فيدفنه المكلّف تارة ، ويتركه مرّة ثانية ، فيلزم من الفعل تارة والترك اخرى المخالفة العملية ، ثم العقل لا يفرق بين المخالفة دفعة ، وبينها تدريجا في الحكم بالقبح ، والحاصل أن عدم جواز الرجوع إلى الإباحة لا يخلو عن قوة لوجهين :
الوجه الأول : أنه يؤدّي إلى المخالفة العملية ، كما أشار إليه المصنّف رحمهالله بقوله : (لأن المخالفة العملية ... إلى آخره).
والوجه الثاني ما سيأتي في كلامه حيث يقول : (ويمكن استفادة الحكم) يعني : وجوب الالتزام بأحدهما المخيّر ، فلازم التخيير هو عدم الرجوع إلى الإباحة ، بل يجب الالتزام بأحدهما المخيّر.
قوله : (من غير تقييد بحكم ظاهريّ عند كل واقعة) دفع لما يرد على ما ذكره المصنّف رحمهالله من عدم جواز المخالفة العملية التدريجية.
وتقرير الإشكال أن ما ذكره المصنّف رحمهالله من عدم جواز المخالفة العملية التدريجية مخالف لما ورد في الشرع من وقوع المخالفة التدريجية كتقليد المقلد تارة ممّن يفتي بوجوب صلاة الجمعة ، فيأتي بها مدّة طويلة ثم يقلّد ممّن يفتي بحرمتها ، فيتركها كذلك ، فيعلم بالمخالفة العملية لأنّها إن كانت واجبة فقد تركها وإن كانت محرمة ، فقد أتى بها.