فالأولى أن يقرّر هكذا : إنّا لا نجد في عقولنا بعد التأمّل ما يوجب الاستحالة ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان.
والجواب عن دليله الأول : إن الإجماع إنّما قام على عدم الوقوع لا على الامتناع ،
____________________________________
ثم يقول المصنّف رحمهالله : (فالأولى أن يقرّر هكذا).
يعني : يبين تقرير الإمكان على وجه لا يرد عليه ما ورد على تقرير المشهور ، وهو : إنّا لم نجد دليلا على استحالة التعبّد بالظن ، فنحكم بالإمكان ، والحكم بالامكان بعد عدم وجدان ما يوجب الاستحالة طريق معروف يسلكه العقلاء في كل زمان ومكان.
ثم الفرق بين هذا التقرير وبين التقرير المنسوب إلى المشهور هو أن الثاني موقوف على القطع بانتفاء جهة القبح فيه بخلاف الأول لأنّه أصل عقلائي يكفي فيه عدم وجدان القبح والاستحالة ، ولكن هذا الفرق لا يكون كافيا ، فيرد على تقرير المصنّف رحمهالله نفس ما ورد على تقرير المشهور.
(والجواب عن دليله الأول : إن الإجماع إنّما قام على عدم الوقوع لا على الامتناع).
وتقريب ما أجاب به المصنّف رحمهالله عن دليل ابن قبة : إن دليله الأول كان قياسا استثنائيا ، فردّه تارة يكون من جهة عدم بطلان التالي ، واخرى من جهة عدم الملازمة بينه وبين المقدّم ، والمصنّف قد أشار إلى عدم بطلان التالي بقوله : إن الإجماع إنّما قام على عدم الوقوع لا على الامتناع ، فلا يمكن إثبات بطلان التالي بهذا الإجماع ، لأنّه قام على عدم وقوع التعبّد بالخبر ، وهذا ليس المدّعى في المقام ، بل المدّعى هو عدم الإمكان والامتناع ، فما قام به الإجماع ليس محلّا للكلام في المقام ، وما هو المدّعى ومحلّ للكلام لم يقم عليه الإجماع أصلا ، فإثبات بطلان التالي بهذا الإجماع مردود جزما.
ثم يشير إلى ردّ هذا الوجه ثانيا من جهة بطلان الملازمة ، فيقول : (بعد تسليم صحة الملازمة).
أي : لا نسلّم الملازمة بين المقدّم والتالي لأنّ قياس المقدم بالتالي قياس مع الفارق ، إذ احتمال الكذب في الإخبار عن الله أقوى وأشد من احتماله في الإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله لأن النبوة رئاسة عامة يشتهي إليها كل انسان ، فلا بدّ من المعجزة ، هذا بخلاف الإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله فإنّ الداعي للكذب فيه ضعيف ، فيقبل الخبر فيه دون الإخبار عن الله تعالى ، ومع