والحاصل أنّ كون القطع حجّة غير معقول لأنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب ، فلا يطلق على نفس القطع.
هذا كلّه بالنسبة إلى حكم متعلّق القطع ، وهو الأمر المقطوع به.
____________________________________
أمّا على الأول فلأنّ الوسط ـ كما عرفت ـ يكون سببا للقطع بثبوت الأكبر. أي : الحكم للأصغر وهو الموضوع ، وهذا القطع حاصل بالفرض ، لأنّا نعلم الوجوب ، فلو جعلناه وسطا لزم أن يكون القطع سببا لنفسه ، فيلزم اتّحاد السبب والمسبّب ، وهو محال وباطل ، وقد أشار إليه بقوله : (والحاصل أنّ كون القطع حجّة غير معقول لأنّ الحجّة ما يوجب القطع ، فلا يطلق على نفس القطع).
وأمّا على الثاني ، أي : على فرض ثبوت الوجوب للموضوع المقيّد بالعلم ، فعدم صحة جعل القطع وسطا يكون من جهة أنّه طريق إلى الحكم ، فيجب أن يكون الحكم وهو الوجوب ثابتا قبل تعلّق القطع به ، فلو توقف الحكم على القطع من باب توقف كل حكم على موضوعه ـ والمفروض أن القطع قد اخذ في الموضوع ـ يلزم الدور الباطل ، فلا يصحّ أن يجعل القطع وسطا. هذا تمام الكلام في المثال الأول.
وأمّا عدم صحة جعل القطع وسطا في المثال الثاني فلكذب الكبرى في الشكل الأول لو جعل وسطا ، وذلك بأن يقال : هذا معلوم الخمرية ، وكل معلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه ، لأنّ الحكم بوجوب الاجتناب مترتّب على الخمر نفسه في الأدلة حيث قال الشارع : الخمر حرام ، كما في قوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(١) أي : يجب الاجتناب عن الخمر لا عن الخمر المعلوم ، فهذا الشكل لم يكن جامعا لشرائط الانتاج ، لكذب الكبرى فيه وإن كانت الصغرى وجدانية.
وقد أشار إلى هذا الاشكال بقوله : (لأنّ أحكام الخمر إنّما تثبت للخمر لا لما علم أنّه خمر) هذا أولا.
وثانيا : إنّ جعل القطع وسطا مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه ، فإنّ المفروض هو حرمة
__________________
(١) المائدة : ٩٠.