وأما القسم الثاني : فهو على وجوه :
أحدها : أن يكون الحكم ـ مطلقا ـ تابعا لتلك الأمارة ، بحيث لا يكون في حقّ الجاهل مع قطع النظر عن وجود هذه الأمارة وعدمها حكم ، فتكون الأحكام الواقعية مختصّة في الواقع بالعالمين بها ، والجاهل مع قطع النظر عن قيام أمارة عنده على حكم العالمين لا حكم
____________________________________
(وأما القسم الثاني) بأن يكون التعبّد بالأمارة لأجل مدخليّة السلوك على طبقها في مصلحة العمل ، وبتعبير آخر : يكون اعتبار الأمارة من باب السببية (فهو على وجوه : أحدها : أن يكون الحكم ـ مطلقا ـ تابعا لتلك الأمارة ، بحيث لا يكون في حقّ الجاهل مع قطع النظر عن وجود هذه الأمارة وعدمها حكم).
ولمّا كان هذا الوجه ـ أي : كون الحكم الواقعي تابعا للأمارة ـ تصويبا باطلا ، فلا بدّ من بيان مراتب الحكم أولا حتى يتضح الفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني ، ثم بيان الأقوال في التصويب ثانيا ، فنقول :
أمّا مراتب الحكم فهي عند المصنّف أربعة :
١ ـ الاقتضاء : وهو عبارة عن وجود مصلحة ملزمة ، أو مفسدة كذلك في الفعل بحيث تقتضي الأمر به أو النهي عنه.
٢ ـ الانشاء : وهو جعل الشارع الحكم على طبق المصلحة ، أو المفسدة.
٣ ـ الفعلية : بمعنى أنّ الأحكام بعد بيانها وتبليغها ما لم يعلم بها المكلّف تكون فعلية.
٤ ـ التنجّز : وهو أن يعلم المكلّف بها بعد البيان الصادر من الرسول صلىاللهعليهوآله فيجب عليه امتثالها ، واطاعتها.
ثم نقول : القول الأول في التصويب ما أشار إليه المصنّف بقوله : أن يكون الحكم مطلقا ، أي : بجميع مراتبه المذكورة تابعا للأمارة بحيث لم يكن للجاهل حكم في الواقع ، بل حكمه الواقعي يحدث بالأمارة.
ثم إن كانت مطابقة للواقع يكون حكمه المجعول بعد قيام الأمارة مماثلا لحكم العالمين بالأحكام ، وإن كانت مخالفة له يكون حكم الجاهل مغايرا لحكم العالم.
فتكون الأحكام الواقعية مختصّة بالعالمين بها ، فلا تكون مشتركة بين العالمين والجاهلين ، مع أنّ الإجماع قد قام على اشتراك الجاهلين مع العالمين في الأحكام