فالحكم الواقعي فعلي في حقّ غير الظانّ بخلافه ، وشأنيّ في حقّه ، بمعنى وجود المقتضي لذلك الحكم لو لا الظن على خلافه ، وهذا ـ أيضا ـ كالأول في عدم ثبوت الحكم الواقعي للظانّ بخلافه ؛ لأن الصفة المزاحمة بصفة اخرى لا تصير منشأ لحكم ، فلا يقال للكذب النافع : إنه قبيح واقعا.
والفرق بينه وبين الوجه الأول ـ بعد اشتراكهما في عدم ثبوت الحكم الواقعي للظان بخلافه ـ : أنّ العامل بالأمارة المطابقة حكمه حكم العالم ولم يحدث في حقّه بسبب ظنه حكم ،
____________________________________
في حقّ من قام عنده أمارة مخالفة له ، فيكون حكمه الواقعي الفعلي مؤدّى الأمارة.
ولذا يقول المصنّف رحمهالله :
(فالحكم الواقعي) المشترك (فعلي في حقّ غير الظان بخلافه) يعني : في حقّ العالم ، والظان بالوفاق (وشأني) في حقّ الظان بالخلاف ثم يقول : (وهذا ـ أيضا ـ كالأول) يكون تصويبا ومشتركا في عدم ثبوت الحكم الواقعي للظان بخلاف الواقع (لأنّ الصفة المزاحمة بصفة اخرى لا تصير منشأ لحكم) فإذا فرضنا كون صلاة الجمعة محرّمة في الواقع لكان في تركها مصلحة وهذه المصلحة أصبحت سببا لحرمتها ثم إذا قامت الأمارة على وجوبها يحدث في فعلها مصلحة ملزمة ، فتكون المصلحة الذاتية في الترك مزاحمة بالمصلحة الحادثة في الفعل ، فلا تؤثر في الحرمة.
والفرق بين الوجه الأول والوجه الثاني ـ بعد كون كليهما تصويبا ، إذ الحكم الواقعي للجاهل الذي قامت عنده أمارة مخالفة للواقع في كلا الوجهين غير الحكم الواقعي الأوّلي ـ : إنّما هو في كون حكم الجاهل الذي قامت عنده أمارة مطابقة للواقع هو حكم العالم على الوجه الثاني ، وغير حكم العالم على الوجه الأول ؛ لأن الحكم الواقعي على الوجه الأول مختصّ بالعالم ، ولا يشترك معه الجاهل أصلا سواء كان من قامت عنده أمارة مطابقة أو مخالفة.
وأما في الوجه الثاني فالحكم الواقعي الشأني مشترك بين الكل ، والحكم الفعلي مشترك بين العالم وبين من قامت عنده أمارة مطابقة للواقع. نعم ، من قامت عنده أمارة مخالفة فحكمه الواقعي هو مؤدّى الأمارة ، فلا يشترك مع العالم في الحكم الفعلي الأوّلي ، بل هو مختصّ بالعالم. هذا هو الفرق الأول.