يكون العمل بالظن مخالفة قطعية لحكم الشارع بعدم نقض اليقين بغير اليقين ، فلا يحتاج إلى تكلّف أنّ التكليف بالواجبات والمحرّمات يقيني ، ولا نعلم كفاية تحصيل مطلق الاعتقاد الراجح فيها أو وجوب تحصيل الاعتقاد القطعي ، وأنّ في تحصيل الاعتقاد الراجح مخالفة احتمالية للتكليف المتيقّن فلا يجوز ، فهذا أشبه شيء بالأكل من القفا.
فقد تبيّن ممّا ذكرنا أن ما ذكرنا في بيان الأصل هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه ، وحاصله : أن التعبّد بالظن مع الشك في رضاء الشارع بالعمل به في الشريعة تعبّد بالشك ، وهو باطل عقلا ونقلا.
وأمّا مجرّد العمل على طبقه فهو محرّم إذا خالف أصلا من الاصول اللفظية أو العملية الدالّة على وجوب الأخذ بمضمونها حتى يعلم الرافع.
فالعمل بالظن قد تجتمع فيه جهتان للحرمة ، كما إذا عمل به ملتزما أنه حكم الله وكان
____________________________________
الأخذ بالتخيير إذ فيه احتمال مخالفة حكم الشارع على فرض وجوب تحصيل الاعتقاد القطعي بالأحكام ، فحكم بحرمة تحصيل الظن لأنّ فيه مخالفة احتمالية.
فيقول المصنّف رحمهالله : إن العمل بالظن على وجه التعبّد محرّم بالأدلة الأربعة من جهة كونه تشريعا وإن لم يكن مخالفا للاصول والقواعد ، والعمل به من دون التعبّد به يكون محرّما في موارد مخالفته للاصول والقواعد من جهة كونه مخالفة قطعية لحكم الشارع بوجوب العمل بتلك الاصول.
فلا حاجة في إثبات حرمة العمل به إلى لزوم مخالفة احتمالية منه ، فإثبات الحرمة من طريق لزوم المخالفة الاحتمالية ، وترك إثباتها من طريق لزوم المخالفة القطعية يكون أشبه شيء بالأكل من القفا.
إذ ردّ جواز العمل بالظن من طريق لزوم المخالفة القطعية أسهل وأقرب من ردّه من طريق لزوم المخالفة الاحتمالية المتوقّف على جعل المقام من صغريات مسألة التعيين والتخيير.
(فقد تبيّن ممّا ذكرنا أن ما ذكرنا في بيان الأصل هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه) لأنّ بقية الاصول لا تخلو عن إشكال بخلاف ما ذكرنا ، فإنّه مصون عن الإشكال ، فينبغي الأخذ به.
(فالعمل بالظن قد تجتمع فيه جهتان للحرمة).