وإن اريد حرمته إذا خالف الاصول مع عدم التمكّن من العلم فيكفي فيه ـ أيضا ـ أدلة الاصول ، بناء على ما هو التحقيق من أنّ مجاريها صور عدم العلم الشامل للظن.
وإن اريد حرمة العمل المطابق للظن من دون استناد إليه وتديّن به ، وعدم مخالفة العمل للواقع مع التمكّن منه ولا لمقتضى الاصول مع العجز عن الواقع ، فلا دلالة فيها ولا في غيرها على حرمة ذلك ، ولا وجه لحرمته أيضا.
والظاهر أنّ مضمون الآيات هو التعبّد بالظن والتديّن به ، وقد عرفت أنّه ضروري التحريم ، فلا مهمّ في إطالة الكلام في دلالة الآيات وعدمها.
إنّما المهمّ الموضوع له هذه الرسالة بيان ما خرج أو قيل بخروجه من هذا الأصل من الامور غير العلمية التي اقيم الدليل على اعتبارها ، مع قطع النظر عن انسداد باب العلم الذي جعلوه موجبا للرجوع إلى الظن مطلقا أو في الجملة ، وهي امور :
____________________________________
الأدلة العقلية والنقلية الدالّة على لزوم تحصيل العلم بالواقع ، فالعمل بالظن حرام لكونه مستلزما لترك الواجب وهو تحصيل العلم.
(وإن اريد حرمته إذا خالف الاصول مع عدم التمكّن من العلم فيكفي) في حرمة العمل بالظن أدلة الاصول لأنّ العمل مناقض لقوله عليهالسلام : (لا تنقض اليقين أبدا بالشك) (١) إذ المراد من الشك هو عدم العلم الشامل للظن ، فيكون العمل به نقضا لليقين بالشك وهو محرّم بنفس الدليل المذكور ، فلا حاجة إلى الاستدلال بالآيات الناهية و (إنّما المهمّ الموضوع له هذه الرسالة بيان ما خرج أو قيل بخروجه).
إلى الآن أثبت المصنّف رحمهالله أنّ الأصل هو عدم حجّية الظن ، وعدم جواز العمل به الّا ما خرج بالدليل ، ومن هنا يبدأ ببيان ما خرج عن الأصل بالدليل ، أو قيل بخروجه ، وممّا خرج عن هذا الأصل : الأمارات المستعملة في مقام تعيين مراد المتكلم من ظاهر كلامه ، والظواهر ، وخبر الواحد في الجملة. وممّا قيل بخروجه : الشهرة ، والإجماع المنقول في الجملة ، كما سيأتي.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.