وبالجملة : فالإنصاف يقتضي عدم الحكم بظهور الأخبار المذكورة في النهي عن العمل بظاهر الكتاب بعد الفحص والتتبع في سائر الأدلة ، خصوصا الآثار الواردة عن المعصومين : ، كيف ، ولو دلّت على المنع من العمل على هذا الوجه ، دلّت على عدم جواز العمل بأحاديث أهل البيت :.
ففي رواية سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام : (إن أمر النبي صلىاللهعليهوآله مثل القرآن ، منه ناسخ ومنسوخ ، وخاصّ وعامّ ، ومحكم ومتشابه ... وقد كان يكون من رسول الله صلىاللهعليهوآله الكلام ، يكون له وجهان : كلام عام وكلام خاص ، مثل القرآن) (١).
وفي رواية أسلم بن مسلم : (إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن) (٢).
____________________________________
والإنصاف أنّ المراد من التفسير بالرأي هو المعنى الثاني ، فالعمل بالظواهر بعد الفحص لا يكون تفسيرا أوّلا ، ولو سلّم لا يكون تفسيرا بالرأي ثانيا. هذا تمام الكلام في الجواب الأول عن هذه الأخبار.
والجواب الثاني ما أشار اليه المصنّف رحمهالله بقوله : (كيف ولو دلّت على المنع من العمل على هذا الوجه).
يعني : لو سلّمنا دلالة الأخبار على منع العمل بظواهر الكتاب ـ بعد الفحص ـ لدلّت على منع العمل بظواهر الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهمالسلام ؛ لأنّ الأحاديث فيها عامّ وخاصّ ، مطلق ومقيد ، ناسخ ومنسوخ ، محكم ومتشابه ، كالقرآن كما هو المستفاد من عدّة من الروايات التي ذكر المصنّف رحمهالله بعضها ، فهنا يتشكّل قياس استثنائي ، وهو أنّ هذه الأخبار لو دلّت على المنع من العمل على ظواهر القرآن لدلّت على المنع من العمل على ظواهر الأحاديث أيضا ، والملازمة بينهما ثابتة بأن حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد ، وملاك المنع وهو احتمال إرادة خلاف الظواهر موجود فيهما.
ثم التالي باطل إجماعا ؛ لأن الأخباريين لم يمنعوا من العمل بظواهر الأخبار ، فالمقدّم ـ أيضا ـ باطل ، فتكون النتيجة هي عدم دلالة الأخبار على المنع من العمل بظواهر الكتاب ،
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ٢٠٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٤ ، ح ١.
(٢) نفس المصدر : ٢٠٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٤ ، ح ٢ ، الكافي ١ : ٦٤ / ٢ ، وفهما : عن محمّد بن مسلم بدل أسلم بن مسلم.