وممّا يقرّب هذا المعنى الثاني ـ وإن كان الأول أقرب عرفا ـ أنّ المنهي في تلك الأخبار المخالفون الذين يستغنون بكتاب الله عن أهل البيت : ، بل يخطّئونهم به.
ومن المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نصّ الإمام عليهالسلام على ظاهر القرآن ، كما أنّ المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس.
ويرشدك إلى هذا ما تقدم في ردّ الإمام عليهالسلام ، على أبي حنيفة حيث إنّه يعمل بكتاب الله ، ومن المعلوم أنه إنّما كان يعمل بظواهره ، لا أنه كان يؤوّله بالرأي إذ لا عبرة بالرأي عندهم مع الكتاب والسنّة.
ويرشد إلى هذا قول أبي عبد الله عليهالسلام ، في ذم المخالفين : (إنهم ضربوا القرآن بعضه ببعض ، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنون أنه الناسخ ، واحتجّوا بالخاص وهم يظنون أنه العام ، واحتجّوا بالآية وتركوا السنّة في تأويلها ، ولم ينظروا إلى ما يفتح به الكلام وإلى ما يختمه ، ولم يعرفوا موارده ومصادره ، إذ لم يأخذوه عن أهله فضلّوا وأضلّوا) (١).
____________________________________
(وممّا يقرّب هذا المعنى الثاني ـ وإن كان الأول أقرب عرفا ـ).
أي : وممّا يؤيّد المعنى الثاني للتفسير بالرأي ، وهو حمل اللفظ على الظاهر من دون فحص وإن كان المعنى الأول ، وهو ترجيح أحد المعاني المحتملة بالاستحسان العقلي أقرب عرفا ؛ لأنّ المتبادر من التفسير بالرأي هو هذا المعنى عند العرف ، ولكن يؤيّد المعنى الثاني ، بأنّ المنهي في تلك الأخبار يكون مخالفي الأئمة.
ومن المعلوم أنّهم يعملون بظواهر القرآن من دون فحص عن إرادة خلافها ، ولم يراجعوا أهل العصمة عليهمالسلام (بل يخطّئونهم به) يعني : يردّون قول الأئمة بكتاب الله حينما كان مخالفا له في نظرهم ، فيصدق في عمل هؤلاء التفسير بالرأي بالمعنى الثاني.
(ويرشد إلى هذا) أي : كون المنهي ـ في تلك الأخبار ـ المخالفين ما تقدّم في ردّ أبي حنيفة ، مع أنّه يعمل بكتاب الله من دون التفسير بالرأي بالمعنى الأول ، بل كان يعمل بظواهر الكتاب من دون فحص عن الأخبار الواردة في بيان الآيات فينطبق على عمله بظواهر التفسير بالرأي بالمعنى الثاني ، فهذا المعنى الثاني يكون أنسب بالمقام.
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ٢٠١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٣ ، ح ٦٢.