وعلى الثاني : فإن ثبت جواز الاستدلال بكلّ قراءة ، كما ثبت بالإجماع جواز القراءة بكل قراءة ، كان الحكم كما تقدم ، والّا فلا بدّ من التوقّف في محلّ التعارض والرجوع إلى القواعد ، مع عدم المرجّح أو مطلقا ، بناء على عدم ثبوت الترجيح هنا ، كما هو الظاهر. فيحكم باستصحاب الحرمة قبل الاغتسال ، إذ لم يثبت تواتر التخفيف ، أو بالجواز بناء على عموم قوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) ، من حيث الزمان ، خرجت منه أيام الحيض على الوجهين في كون المقام من استصحاب حكم المخصّص أو العمل بالعموم الزماني.
____________________________________
الأول بالجواز ، وعلى الثاني بالحرمة.
فاتضح إلى هنا حكم القراءتين المتعارضتين على القول بالتواتر ، أو عدم التواتر ولكن يجوز الاستدلال على كل قراءة كنفس جواز القراءة.
فبقي حكم ما لم يثبت التواتر ، ولا جواز الاستدلال ، وقد أشار إليه بقوله :
(والّا فلا بدّ من التوقّف) يعني : لو لم نقل بالتواتر ولا بجواز الاستدلال فيجب التوقّف في محلّ التعارض والرجوع إلى القواعد من عموم كما سيأتي عن قريب.
أو استصحاب الحرمة (مع عدم المرجّح) دلالة ، (أو مطلقا) يعني : سواء كان هناك مرجّح من حيث الدلالة ، أو السند أم لا ، فلا يجوز الترجيح.
وأمّا عدم الترجيح من حيث الدلالة فلأنّه يكون مختصّا في تعارض الدليلين والمقام ليس كذلك ، بل يكون من قبيل تعارض ما هو الدليل وما هو ليس بالدليل ، والدليل ما هو قرآن في الواقع ، وهو أحدهما فقط دون الآخر.
وأمّا عدم الترجيح بالمرجّحات السندية ، فلأنّها مختصّة بتعارض الخبرين ، لكونهما ظني الصدور ، والقرآن يكون قطعي الصدور ، فلا تجري فيه المرجّحات السندية.
فلا بدّ من الالتزام بأحد أمرين ؛ إمّا نلتزم بالحرمة بمقتضى استصحاب حكم المخصّص ، والمخصّص هو قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ)(٢) وحكمه هو حرمة المقاربة ، فيشك المكلّف بعد النقاء وقبل الغسل في بقاء الحرمة فيجري استصحاب الحرمة ويحكم بالحرمة.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٣.
(٢) البقرة : ٢٢٢.