وبالجملة ، فظواهر الألفاظ حجّة ، بمعنى عدم الاعتناء باحتمال إرادة خلافها ، إذا كان منشأ ذلك الاحتمال غفلة المتكلّم في كيفية الإفادة أو المخاطب في كيفية الاستفادة ؛ لأن احتمال الغفلة ممّا هو مرجوح في نفسه ومتّفق على عدم الاعتناء به في جميع الامور ، دون ما إذا كان الاحتمال مسبّبا عن اختفاء امور لم تجر العادة القطعية أو الظنية بأنها لو كانت لوصلت إلينا.
ومن هنا ظهر أن ما ذكرنا سابقا ، من اتفاق العقلاء والعلماء على العمل بظواهر الكلام في الدعاوى والأقارير والشهادات والوصايا والمكاتبات ، لا ينفع في ردّ هذا التفصيل ، إلّا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد ، ودون إثباتها خرط القتاد.
____________________________________
مثال القرينة العقلية الكلية : كوقوع الأمر بعد الحظر ، حيث يكون قرينة على رفع الحظر والمنع فقط ، فيكون ظاهرا بالإباحة.
والجزئية : كما لو قال المولى : أكرم علماء البلد ، وكان بعضهم عدوّا له ، فالعقل يحكم بعدم وجوب إكرام العدو.
ومثال القرينة النقلية الكلية : كقول الشارع ـ بعد بيانه أحكاما للشكوك المتعارفة ـ : لا شك لكثير الشك ، فهذا القول منه يكون قرينة على عدم جريان أحكام الشكوك المتعارفة في شك كثير الشك.
والنقلية الجزئية : كقول المولى : أكرم العلماء ، ثم قال : لا تكرم زيدا.
(ومن هنا ظهر أنّ ما ذكرنا سابقا ، من اتفاق العقلاء والعلماء على العمل بظواهر الكلام في الدعاوى والأقارير).
ولم يسبق من المصنّف رحمهالله ذكر بالنسبة إلى ظواهر الكلام في الدعاوى والأقارير وغيرهما. وعلى كلّ ، حجّية الظواهر في هذه الموارد لا ترد التفصيل ؛ لأن المقصود بالإفهام في هذه الموارد كل من يسمعها.
وعلى فرض عدم كون الجميع مقصودين بالإفهام تكون حجّية الظواهر في هذه الموارد لأجل كون احتمال إرادة خلاف الظواهر فيها ضعيفا لا يعتنى به.
(إلّا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد).
هذا استثناء من أصل المطلب يعني : إذا كان مناط حجّية الظواهر هو الظن بالمراد ، كما هو مبنى هذا التفصيل لكانت مختصّة بمن قصد إفهامه ؛ لانحصار هذا المناط فيه ، إلّا أن