لكنّ الكلام في أنّ قطعه هذا هل هو حجّة عليه من الشارع وإن كان مخالفا للواقع في علم الله فيعاقب على مخالفته ، أو أنّه حجّة عليه إذا صادف الواقع؟ بمعنى أنّه لو شرب الخمر الواقعيّ عالما عوقب عليه ، في مقابل من شربها جاهلا ، لا أنّه يعاقب على شرب ما قطع بكونه خمرا وإن لم يكن خمرا في الواقع.
ظاهر كلماتهم في بعض المقامات الاتّفاق على الأوّل ، كما يظهر من دعوى جماعة
____________________________________
هذا تمام الكلام في الأمرين.
فيقع الكلام في تحرير ما هو محل النزاع في المقام.
والظاهر هو عدم الخلاف في حجّية القطع ، بمعنى صحة الاحتجاج من المكلّف على الشارع في مورد الإطاعة والانقياد ، ومن الشارع على المكلّف في مورد المعصية ، وإنّما النزاع في حجّية القطع للشارع على المكلّف فيما إذا خالفه وكان مخالفا للواقع ، هل يكون قطعه هذا حجّة حتى يعاقب على المخالفة أم ليس بحجّة؟ فيكون معنى الحجّة في قوله رحمهالله (في أنّ قطعه هذا هل هو حجّة عليه من الشارع؟) أنّه كان للشارع أن يحتج به عليه ، ويعاقبه عند مخالفته لقطعه وإن كان جهلا مركبا. وفيه وجوه وأقوال :
قال المصنّف رحمهالله : إنّ التجرّي لا يقتضي شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه الذي لا يترتب عليه سوى اللوم ، كالبخل والحسد ونحوهما من الأوصاف المذمومة التي لا يترتب عليها استحقاق العقوبة ما لم تظهر في الخارج ، مع بقاء العمل المتجرّى به على ما هو عليه من الحكم قبل تعلّق القطع به.
وقيل : باقتضاء التجرّي لاستحقاق العقوبة على مجرد العزم على العصيان محضا ، لا على الفعل المتجرّى به نظرا إلى أنّ التجرّي من المحرمات الجنانية لا الجوارحية كما في الكفاية.
وقيل : باقتضائه لاستحقاق العقوبة على نفس التجرّي ، أعني : الفعل المتجرّى به لا على العزم من جهة انطباق عنوان الطغيان عليه.
والمحصّل في محل النزاع أن التجرّي هل يوجب استحقاق العقوبة أم لا؟
اختار المصنف رحمهالله الاحتمال الثاني ، واختار كثير من الأصحاب الاحتمال الأول ، كما أشار إليه بقوله :